ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا قرأ
ابن عامر وأبو بكر بن عاصم وإسماعيل عن
نافع " شنآن " بسكون النون الأولى ، والباقون بفتحها ، وهما لغتان ، وقرأ
ابن كثير وأبو عمرو : " إن صدوكم " بكسر " إن " على أنها شرطية والباقون بفتحها على أنها للتعليل . وهذه القراءة تشير إلى
صد المشركين المؤمنين عن العمرة عام الحديبية ، وتنهاهم أن يعتدوا عليهم عام حجة الوداع الذي نزلت فيه السورة لأجل اعتدائهم السابق ، والمعنى عليه : ولا يحملنكم بغض قوم وعداوتهم على أن تعتدوا عليهم لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام . ومعنى القراءة الأخرى أنه لا يباح للمسلمين أن يعتدوا على أعدائهم إن صدوهم عن المسجد الحرام ، أي عن النسك فيه وزيارته ، ولو للتجارة ، واستشكل بأن هذا قد نزل بعد فتح
مكة ، ولم يكن يتوقع صد من أحد ، وبأنه معارض لقوله
ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ( 2 : 191 ) وأجيب بأن الشرط على معنى الماضي بتقدير الكون ، أي : إن كانوا صدوكم عن
المسجد الحرام ، ويمكن أن يقال : إن ورود هذا بعد فتح
مكة وظهور الإسلام على الشرك وأهله ، لا إشكال فيه لأن الأحكام قد تبنى على الفرض ، ولأن هذا الصد قد يقع من المسلمين بعضهم لبعض كما يفعله بعض أمراء
مكة في عصرنا من منع بعض العرب كأهل نجد من الحج لأسباب دنيوية ; كأخذ بعض أمراء نجد الزكاة من بعض القبائل الذين يعدهم أمراء
مكة تابعين لهم . ويحتمل أن تكون هذه الجملة معطوفة على قوله تعالى : فاصطادوا داخلة في حيز شرطه ،
[ ص: 107 ] ويكون المعنى : إن الصيد الذي كان محرما عليكم حال كونكم حرما يحل لكم إذا حللتم ، وأما الاعتداء على من تبغضونهم فلا يباح لكم وأنتم حل ، كما أنه لا يباح لكم وأنتم حرم ، وإن كانوا صدوكم عن المسجد الحرام من قبل ، وهذا لا يمنع من الجزاء على الاعتداء بالمثل ; لأنه نهي عن استئناف الاعتداء على سبيل الانتقام ، فإن من يحمله البغض والعداوة على الاعتداء على من يبغضه يكون منتصرا لنفسه لا للحق ، وحينئذ لا يراعي المماثلة ولا يقف عند حدود العدل ، ولم أر من نبه على هذا ولا من حرر هذا المبحث ، ولكن أجاز بعضهم أن يكون هذا من توجيه النهي إلى المسبب وإرادة السبب ، كقوله : لا أرينك ههنا . فالمراد النهي عن البغض والعداوة ، وجعلها حاكمة على النفس ، حاملة لها على الاعتداء والبغي ، ولا ينفي هذا أن يكون لكل نوع من أنواع الاعتداء - كالصد عن
المسجد الحرام - جزاء خاص يعرف بدليله .