ولما كان الأمر بالتقوى مما حتم على الإطلاق ، بعد بيان أن
العدل هو أقرب ما يتقى به عقاب الله في الدنيا والآخرة ; لأنه قوام الصلاح للأفراد والإصلاح في الأقوام ، ولما علل هذا الأمر المطلق بأن الله خبير بدقائق الأعمال وخفاياها ، وكان هذا التعليل يشير إلى جزاء العاملين المتقين وغير المتقين - قال عز وجل في بيان الجزاء العام : (
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي الأعمال الصالحات التي يصلح بها أمر العباد في أنفسهم ، وفي روابطهم ، ومرافقهم الاجتماعية ، ومن أسسها : العدل العام التام ، والتقوى في جميع الأحوال ، وماذا وعدهم ؟ أو ماذا في وعده لهم ، والوعد من جملة القول ؟ قال تعالى مبينا هذا
[ ص: 228 ] (
لهم مغفرة وأجر عظيم ) . وهذا التعبير أبلغ من تعلق الوعد بالموعود نفسه ; كقوله تعالى في آخر سورة الفتح : (
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) ( 48: 29 ) لأن ما هنالك خبر واحد ، لا تأكيد فيه ، ولا زيادة عناية بتقريره ، وما هنا خبر فيه زيادة تأكيد أو تقرير للوعد ; فقد وعد وعدا مجملا من شأنه أن تتوجه النفس للسؤال عن بيانه ، فهذا خبر مستقل ، ثم بين ذلك الإجمال بخبر آخر أثبت فيه أن لهم مغفرة وأجرا عظيما ، فكأنه قال : إنه وعدهم وعدا حسنا ، أو جزاء حسنا ، ثم بين أن وعده مفعول ، وأن لهؤلاء الموعودين عنده كذا وكذا . هذا إذا جعلت الجملة استئنافا بيانيا ، وهو التقدير المتقدم المختار ، وكذلك إذا جعلت الجملة الثانية من باب مقول القول تتضمن زيادة التقرير للموعود به ، والتأكيد لوقوعه . ومعنى المغفرة : أن إيمانهم وعملهم الصالح يستر أو يمحو من نفوسهم ما كان فيها من سوء تأثير الأعمال السابقة ، فيغلب فيها حب الحق والخير ، وتكون صالحة لجوار الله تعالى . والأجر العظيم : هو الجزاء على الإيمان والعمل ، المضاعف بفضل الله ورحمته أضعافا كثيرة ، ولما بين الوعد اقتضى أن يبين الوعيد ، كما هي سنة القرآن في مثل هذا المقام ، فقال :