أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن المنذر ،
وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله في قوله : (
ومن الذين هادوا سماعون للكذب ) قال :
يهود المدينة .
(
سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ) قال :
يهود فدك .
(
يحرفون الكلم ) قال :
يهود فدك يقولون
ليهود المدينة : (
إن أوتيتم هذا ) الجلد (
فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ) الرجم .
وأما قوله تعالى : (
يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) فمعناه يحرفون كلم التوراة من بعد وضعه في مواضعه ; إما تحريفا لفظيا بإبدال كلمة بكلمة ، أو بإخفائه وكتمانه ، أو الزيادة فيه والنقص منه ، وإما تحريفا معنويا بحمل اللفظ على غير ما وضع له .
(
يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ) أي يقولون لمن أرسلوهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن حكم الرجل والمرأة اللذين زنيا منهم ، وأرادوا أن يحابوهما بعدم رجمهما : إن أعطيتم من قبل
محمد رخصة بالجلد عوضا عن الرجم فخذوه وارضوا به ، وإن لم تعطوه بأن حكم بأنهما يرجمان فاحذروا قبول ذلك والرضاء به ، وقد تقدم
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003258أنهم جاءوه ، فسألهم عن حد الزناة في التوراة ، فقالوا : نفضحهم ويجلدون ، وجاءوا بالتوراة فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، وقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع ، فإذا آية الرجم ، فاعترفوا بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وظهر كذبهم وعبثهم بكتاب شريعتهم . والإيتاء والإعطاء يستعمل في المعاني كغيرها .
قال الله تعالى في بيان حال هؤلاء العابثين بدينهم وفي أمثالهم : (
ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) أي ومن تعلقت إرادة الله تعالى بأن يختبر في دينه فيظهر الاختبار كفره وضلاله ، كما يفتن الذهب بالنار ، فيظهر مقدار ما فيه من الغش والزغل ، فلن تملك
[ ص: 323 ] أيها الرسول له من الله شيئا من الهداية والرشد ، كما أنك لا تستطيع أن تحول النحاس إلى الذهب ; لأن سنة الله تعالى لا تتبدل في معادن الناس ، ولا في معادن الأرض ، فهؤلاء المنافقون والمجاحدون من
اليهود قد أظهرت لك فتنة الله واختباره إياهم درجة فسادهم ، وعلمت أنهم يقبلون الكذب دون الحق ، وأن إظهار بعضهم للإيمان ورؤيتهم لحسن حال المؤمنين وصلاحهم لم تؤثر في أنفسهم ، ورأيت كيف طوعت للآخرين أنفسهم التحريف والكتمان لأحكام كتابهم ; اتباعا لأهوائهم ، ومرضاة لأغنيائهم . فلا تحزنك بعد هذا مسارعتهم في الكفر ، ولا تطمع في جذبهم إلى الإيمان ; فإنك لا تملك لأحد هداية ولا نفعا ، وإنما عليك البلاغ والبيان . راجع تفسير (
ليس لك من الأمر شيء ) ( 3 : 128 ) ولا تخف عاقبة نفاقهم ؛ فإنما العاقبة للمتقين من أهل الإيمان ، ولهم الخزي والهوان ; ولذلك قال : (
أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ) أي أولئك الذين بلغت منهم الفتنة هذا الحد هم الذين لم تتعلق إرادة الله تعالى بتطهير قلوبهم من الكفر والنفاق ; لأن إرادته تعالى إنما تتعلق بما اقتضته حكمته البالغة وسننه العادلة ، ومن سننه في قلوب البشر وأنفسهم أنها إذا جرت على الباطل والشر ، ونشأت على الكيد والمكر ، واعتادت اتخاذ دينها شبكة لشهواتها وأهوائها ، ومردت على الكذب والنفاق ، وألفت عصبية الخلاف والشقاق ، وصار ذلك من ملكاتها الثابتة وأخلاقها الموروثة الثابتة ، تحيط بها خطيئتها ، وتطبق عليها ظلمتها ، حتى لا يبقى لنور الحق منفذ ينفذ منه إليها ; فتفقد قابلية الاستدلال والاستبصار في توفيق الأقدار للأقدار ، وهؤلاء الزعماء وأعوانهم من
اليهود قد صبوا في قوالب تلك الصفات الرديئة صبا ، فلا تقبل طبائعهم سواها قطعا ، فهذا هو سبب عدم تعلق إرادة الله تعالى بأن يطهر قلوبهم مما طبع عليها ; لأن إرادته تطهير قلوبهم وهم متصفون بما ذكرنا ، إبطال للقدر ، وتبديل لما اقتضته الحكمة من السنن ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ، لا أمرا أنفا ، ولن تجد لسنته تبديلا . ثم بين تعالى عاقبة هؤلاء المخذولين وجزاءهم ، فقال : (
لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) فأما العذاب في الآخرة فأمره معلوم ، وكنهه مجهول ، وأما خزي الدنيا فهو ما يلحقهم من الذل والفضيحة وهوان الخيبة عند ما ينكشف نفاقهم ويظهر للناس كذبهم ، ويعلو الحق على باطلهم ، وقد صدق وعيد الله تعالى بهذا الخزي على
يهود الحجاز كلهم ، كما يصدق في كل زمان على من يفسدون كفسادهم ، فيفشو فيهم الكذب والنفاق ، ويغلب عليهم فساد الأخلاق ، ولا يغني عنهم الانتساب إلى نبي لم يتبعوه ، ولا تنفعهم دعوى الإيمان بكتاب لم يقيموه ; فإن الوعيد في الآية لم يوجه إلى أولئك
اليهود لذواتهم وأعيانهم ; فذواتهم كسائر الذوات ، ولا لنسبهم
[ ص: 324 ] وأرومتهم ; فنسبهم أشرف الأنساب ؛ وإنما هو وعيد على فساد القلوب الذي نشأ عنه فساد الأعمال ، فما بال الفاسدين المفسدين من المسلمين الجغرافيين أو السياسيين لا يعتبرون بما كان من خزي
اليهود بخروجهم عن سنة أنبيائهم ، وبما حل من وعيد الله بهم ، على ما كان من حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على هداهم ، وهم يرون في كل زمن مصداقه بأعينهم ، أفلا يقيمون القرآن بالاعتبار بنذره ، والحذر مما حذر منه ؟