(
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) أي أنزلنا إليك الكتاب فيه حكم الله ، وأنزلنا إليك فيه : أن احكم بينهم بما أنزل الله إليك فيه ، ولا تتبع أهواءهم بالاستماع لبعضهم وقبول كلامه ، ولو لمصلحة في ذلك وراء الحكم ; كتأليف قلوبهم ، وجذبهم إلى الإسلام ، فإن الحق لا يتوسل إليه بالباطل ، واحذرهم أن يفتنوك ; أي يستزلوك باختبارهم إياك ، وينزلوك عن بعض ما أنزل الله إليك لتحكم بغيره . أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال
كعب بن أسد ،
وعبد الله بن صوريا ،
وشاس بن قيس " من
اليهود " : اذهبوا بنا إلى
محمد لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه ، فقالوا : يا
محمد ، إنك عرفت أنا أحبار
يهود وأشرافهم وساداتهم ، وأنا إن اتبعناك اتبعنا
يهود ولم يخالفونا ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن لك ونصدقك ; فأبى ذلك وأنزل الله عز وجل فيهم : (
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) إلى قوله : (
لقوم يوقنون ) . انتهى . يعني أن الحكمة في إنزال هذه الآية إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ما فعل من عدم الحكم لهم ، وأمره بالثبات والدوام على ما جرى عليه من التزام حكم الله وعدم الانخداع
لليهود ، وتسجيل هذه العبرة في كتاب الله ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
ابن زيد أن فتنتهم أن يقولوا في التوراة كذا وكذا ، فيصدقوا ، والأول أظهر .
(
فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) أي فإن تولوا عن حكمك بعد تحاكمهم إليك ، فاعلم أن حكمة ذلك هي أن الله تعالى يريد أن يعذبهم ببعض ذنوبهم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة ، فاضطرابهم في دينهم ، واستثقالهم لأحكام التوراة ، وتحاكمهم إليك رجاء أن تتبع أهواءهم ، وإعراضهم عن حكمك بالحق ، ومحاولتهم لمخادعتك وفتنتك عن بعض ما أنزل الله إليك ، كل هذه مقدمات من فساد الأخلاق وروابط الاجتماع لا بد أن تنتج وقوع عذاب بهم ، قيل : إن المراد بالعذاب هنا ما حل
بيهود المدينة وما حولها بغدرهم ، وإنما يصح هذا ، إذا كان نزول الآية قبل ذلك ، وعلى هذا يكون نزول هذا السياق كله قبل نزول أوائل السورة في حجة الوداع . فإن ثبت أنه لم يصبهم عذاب في
[ ص: 349 ] عصر النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها فلا يبعد أن يكون المراد بالعذاب إجلاء
عمر من أجلاهم منهم في خلافته . وقيل : المراد عذاب الآخرة ، وإنما ذكر بعض الذنوب لبيان أن بعضها يوبقهم ويهلكهم ، فكيف يكون العقاب على جميعها ؟ وهو كما ترى ، ثم قال : (
وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) أي لا يرعك أيها الرسول ما تراه من فسوقهم من دينهم ، وعدم اهتدائهم إلى دينك ; فإن كثيرا من الناس قد صار الفسوق والعصيان والتمرد من صفاتهم الثابتة التي لا تنفك عنهم .