صفحة جزء
( آثار علماء السلف في الرأي والقياس ) .

ثم عقد ابن القيم لآثار التابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في ذم القياس والنهي عنه ، وبيان كون القائلين به لم يريدوا أن يجعله الناس دينا يدان به وشرعا متبعا للأمة ، وكون المتعصبين لهم من بعدهم انحرفوا عن طريقهم وخالفوا مذهبهم غلوا فيه ، ومنه قول القعنبي : دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه فسلمت عليه ثم جلست فرأيته يبكي ، فقلت له : يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك ؟ فقال لي : يا ابن - قعنب وما لي لا أبكي ؟ ومن أحق بالبكاء مني ؟ والله لوددت أني ضربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سوطا ، وقد كانت لي السعة فيما قد سبقت إليه ، وليتني لم أفت بالرأي . ومنه قول الشافعي : مثل الذي ينظر في الرأي ثم يتوب منه مثل المجنون الذي عولج حتى برئ فأعقل ما يكون قد هاج . ومنه تقديم أبي حنيفة وأحمد الحديث الضعيف على الرأي والقياس ، ومن شواهد هذا في مذهب أبي حنيفة الأخذ بحديث القهقهة في الصلاة ، وحديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر ، وحديث قطع السارق في أقل من عشرة دراهم ، وحديث جعل أكثر الحيض عشرة أيام ، والحديث في اشتراط المصر لإقامة الجمعة . وكل هذه الأحاديث ضعيفة وقد قدمها على القياس ، وقد نهى جميع العلماء عن تقليدهم وتقليد غيرهم في دين الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية