[ ص: 137 ] ( أنواع الرأي المحمود ) .
ثم بين
ابن القيم أنواع الرأي المحمود وهي أربعة :
( أولها ) : رأي علماء الصحابة رضي الله عنهم .
( ثانيها ) : الرأي الذي يفسر النصوص . ويبين وجه الدلالة منها ، ويقررها ويوضح محاسنها ، ويسهل طريق الاستنباط منها . وقد بين له الشواهد مما ورد عن الصحابة من الرأي في التفسير ، ثم أورد على هذا ما ورد في الصحيح من قول
أبي بكر : " وأي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله برأيي ؟ " وحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919620من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " .
وأجاب
ابن القيم عن ذلك الإيراد بأن الرأي نوعان : رأي مجرد لا دليل عليه بل هو خرص وتخمين; فهذا الذي أعاذ الله الصحابة منه ، ورأي مستند إلى استدلال واستنباط من النص أو من نص آخر معه ، فهذا من ألطف فهم النصوص وأدقه . ومثل له بتفسير
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله عنه الكلالة بأنها ما عدا الوالد والولد .
أقول : وقد بينت ذلك أتم البيان في تفسير آية الكلالة في آخر سورة النساء ، ولا تنس في هذا المقام ، قول
علي المرتضى عليه السلام ، أنه ليس عندهم شيء من الوحي غير ما في كتاب الله قال : " إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن " .
( ثالثها ) : رأي جماعة الشورى ، وقد فصلت القول فيه بما لم أسبق إليه فيما أعلم في الكلام على أولي الأمر من تفسير سورة النساء .
( رابعها ) : الاجتهاد الذي أجازه الصحابة فيما لا نص فيه من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا ما قضى به الخلفاء الراشدون ، وكان الأولى أن يقول : وما أجمع عليه الصحابة منه ، وفي حكمه ما قضى به الراشدون ، وشرط هذا الاجتهاد أن يكون في مسائل القضاء والمعاملات ، لا في العقائد والعبادات ، وتقدم بيان هذا من قبل ، وسيعاد القول فيه إن شاء الله تعالى ، وقد استشهد لهذا النوع بكتاب
عمر رضي الله عنه في القضاء إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ، وقد أثبته وشرحه شرحا طويلا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم ينكر هذا الكتاب كما تقدم .
ثم أطال
ابن القيم فيما عد من قبيل القياس في القرآن المجيد والأحاديث النبوية ، وذكر طائفة من أقيسة الصحابة بناء على التوسع في معنى القياس ، ولكن لا تنطبق تلك الأمثلة
[ ص: 138 ] كلها على القياس المصطلح عليه في علم أصول الفقه ، وليست كلها في الأحكام العملية ، وإنما أراد أن يستوفي كل ما يمكن أن يلوذ به ويلجأ إليه القائلون بالقياس ، فكان منه ما لعله لم يخطر لأحد منهم على بال ، ولذلك قفى على ذلك بما يقابله من الكلام في ذم القياس وكونه ليس من الدين في شيء . فافتتح ذلك بقوله :
( فصل ) قد أتينا على ذكر فصول في القياس نافعة وأصول جامعة في تقرير القياس والاحتجاج به لعلك لا تظفر بها في غير هذا الكتاب ولا تقرب منها ، فلنذكر مع ذلك ما قابلها من النصوص والأدلة الدالة على ذم القياس ، وأنه ليس من الدين ، وحصول الاستغناء عنه والاكتفاء بالوحيين .