سعة أحكام الكتاب والسنة وتضييق الفقهاء :
وبقي ههنا بحث مهم ، وهو أن أحكام القرآن في هذه المسألة وفي غيرها أوسع مما جرى عليه الفقهاء ، وكذلك أحكام السنة ، وكل ما في الفقه من التشديد والتقييد فهو من اجتهاد الفقهاء ، ولا سيما المصنفين منهم الذين جاءوا بعد الصحابة والتابعين . وأولى الأحكام الاجتهادية بالنظر والاعتبار ما اتفق عليه كبار المجتهدين ، وجرى عليه عمل حكام العصور الأولى من المسلمين ، ومنه عدم قبول
شهادة الكافر على المسلم في القضايا الشخصية والمدنية والجنائية على سواء ، فما سبب ذلك ؟ ولماذا لم يأخذوا بظاهر آية المائدة وهي من آخر ما نزل من القرآن فيعدوها شارعة لقبول شهادة غير المسلم عند الحاجة مطلقا ، أو في غير ما ورد النص بإشهاد المسلمين العدول عليه لحكمة تقتضي ذلك ، كما تقدم آنفا في بيان المقابلة بين آيات الشهادة ؟ أو ليس الغرض من الشهادة أن تكون بينة يعرف بها الحق ، وقد يتوقف بيانه على شهادة شهداء من غير المسلمين يثق الحاكم بصدقهم وصحة شهادتهم ؟ .
الجواب عن هذا السؤال يعلم بالنظر فيما استدلوا به على منع شهادة الكافر وبمعرفة
[ ص: 196 ] حال المسلمين مع الكفار في عصر التنزيل وعصر وضع الفقه والتصنيف فيه وعمل الحكام باجتهادهم ثم بأقوال علمائه .