تفسير هذه الأسامي
1 - فأما
الكتاب : فهو مصدر كتب يكتب كتابا وكتابة ، وأصلها الجمع ، وسميت الكتابة لجمعها الحروف ، فاشتق الكتاب لذلك ; لأنه يجمع أنواعا من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة ، ويسمى المكتوب كتابا مجازا ، قال الله تعالى :
في كتاب مكنون ( الواقعة : 78 ) ، أي : اللوح المحفوظ ، والكتابة حركات تقوم بمحل قدرة الكاتب ، خطوط موضوعة مجتمعة تدل على المعنى المقصود ; وقد يغلط الكاتب فلا تدل على شيء .
2 - وأما
القرآن : فقد اختلفوا فيه فقيل : هو اسم غير مشتق من شيء ، بل هو اسم خاص بكلام الله ، وقيل : مشتق من القري ، وهو الجمع ، ومنه قريت الماء في الحوض ، أي : جمعته ، قاله
الجوهري وغيره .
وقال
الراغب : لا يقال لكل جمع قرآن ، ولا لجمع كل كلام قرآن ، ولعل مراده بذلك في العرف والاستعمال لا أصل اللغة .
وقال
الهروي : كل شيء جمعته فقد قرأته .
وقال
أبو عبيد : سمي القرآن قرآنا لأنه جمع السور بعضها إلى بعض .
وقال
الراغب : سمي قرآنا لكونه جمع ثمرات الكتب المنزلة السابقة .
وقيل : لأنه
[ ص: 374 ] جمع أنواع العلوم كلها بمعان ، كما قال تعالى :
ما فرطنا في الكتاب من شيء ( الأنعام : 38 ) .
وقال بعض المتأخرين : لا يكون القرآن و " قرأ " مادته بمعنى جمع ; لقوله تعالى :
إن علينا جمعه وقرآنه ( القيامة : 17 ) فغاير بينهما ، وإنما مادته " قرأ " بمعنى أظهر وبين ، والقارئ يظهر القرآن ويخرجه ، والقرء الدم ; لظهوره وخروجه ، والقرء الوقت ، فإن التوقيت لا يكون إلا بما يظهر .
وقيل : سمي قرآنا ; لأن القراءة عنه والتلاوة منه ، وقد قرئت بعضها عن بعض .
وفي " تاريخ بغداد "
للخطيب في ترجمة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال : " وقرأت القرآن على
إسماعيل بن قسطنطين وكان يقول : القرآن اسم وليس مهموزا ، ولم يؤخذ من " قرأت " ولو أخذ من " قرأت " لكان كل ما قرئ قرآنا ، ولكنه اسم للقرآن ; مثل التوراة والإنجيل ، يهمز قرأت ، ولا يهمز القران .
وقال
الواحدي : كان
ابن كثير يقرأ بغير همز ، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا ، قال
البيهقي : كان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يهمز " قرأت " ولا يهمز " القران " ، ويقول : هو اسم لكتاب الله غير مهموز .
قال
الواحدي : قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هو اسم لكتاب الله ; يعني أنه اسم علم غير مشتق كما قاله جماعة من الأئمة .
وقال : وذهب آخرون إلى أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه ، فسمي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه ، ومنه قيل للجمع بين الحج والعمرة قران ، قال : وإلى هذا المعنى ذهب
الأشعري .
وقال
القرطبي : القران بغير همز مأخوذ من القرائن ; لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا ، ويشابه بعضها بعضا فهي حينئذ قرائن .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وهذا القول سهو ، والصحيح أن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ; ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ، وهذا ما أشار إليه
[ ص: 375 ] الفارسي في الحلبيات .
وقوله :
إن علينا جمعه وقرآنه أي : جمعه في قلبك حفظا ، وعلى لسانك تلاوة ، وفي سمعك فهما وعلما ، ولهذا قال بعض أصحابنا : إن عند قراءة القارئ تسمع قراءته المخلوقة ، ويفهم منها كلام الله القديم ، وهذا معنى قوله :
لا تسمعوا لهذا القرآن ( فصلت : 26 ) أي : لا تفهموا ولا تعقلوا ; لأن السمع الطبيعي يحصل للسامع شاء أو أبى .
3 - وأما الكلام فمشتق من التأثير ، يقال : كلمه إذا أثر فيه بالجرح ، فسمي الكلام كلاما ; لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده .
4 - وأما النور ; فلأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام .
5 - وأما تسميته " هدى " ; فلأن فيه دلالة بينة إلى الحق ، وتفريقا بينه وبين الباطل .
6 - وأما تسميته " ذكرا " فلما فيه من المواعظ والتحذير وأخبار الأمم الماضية ; وهو مصدر ذكرت ذكرا ، والذكر الشرف ، قال تعالى :
لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ( الأنبياء : 10 ) ، أي : شرفكم .
7 - وأما
تسميته " تبيانا " ; فلأنه بين فيه أنواع الحق وكشف أدلته .
8 - أما
تسميته " بلاغا " ; فلأنه لم يصل إليهم حال إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وإبلاغه إليهم إلا به .
19 - وأما
تسميته " مبينا " ; فلأنه أبان وفرق بين الحق والباطل .
20 و 21 - وأما
تسميته " بشيرا ونذيرا " ; فلأنه بشر بالجنة وأنذر من النار .
22 - وأما
تسميته " عزيزا " أي : يعجز ويعز على من يروم أن يأتي بمثله فيتعذر ذلك عليه ; لقوله تعالى :
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ( الإسراء : 88 ) الآية ، والقديم لا يكون له مثل ، إنما المراد أن يأتوا بمثل هذا الإبلاغ والإخبار
[ ص: 376 ] والقراءة بالوضع البديع ، وقيل : المراد بالعزيز نفي المهانة عن قارئه إذا عمل به .
23 - وأما
تسميته " فرقانا " : فلأنه فرق بين الحق والباطل ، والمسلم والكافر ، والمؤمن والمنافق ، وبه سمي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب الفاروق .
24 - وأما
تسميته " مثاني " فلأن فيه بيان قصص الكتب الماضية ، فيكون البيان ثانيا للأول الذي تقدمه ، فيبين الأول الثاني ، وقيل : سمي " مثاني " لتكرار الحكم والقصص ، والمواعظ فيه ، وقيل : إنه اسم " الفاتحة " وحدها .
25 - وأما
تسميته " وحيا " : ومعناه تعريف الشيء خفيا ، سواء كان بالكلام ; كالأنبياء والملائكة ، أو بإلهام كالنحل وإشارة النمل ، فهو مشتق من الوحي والعجلة ; لأن فيه إلهاما بسرعة وخفية .
26 - وأما
تسميته " حكيما " : فلأن آياته أحكمت بذكر الحلال والحرام ، فأحكمت عن الإتيان بمثلها ، ومن حكمته أن علامته من علمه وعمل به ارتدع عن الفواحش .
27 - وأما
تسميته " مصدقا " فإنه صدق " الأنبياء " الماضين أو كتبهم قبل أن تغير وتبدل .
28 - وأما
تسميته " مهيمنا " ; فلأنه الشاهد للكتب المتقدمة بأنها من عند الله .
29 - وأما
تسميته " بلاغا " ; فلأنه كان في الإعلام والإبلاغ وأداء الرسالة .
30 - وأما
تسميته " شفاء " ; فلأنه من آمن به كان له شفاء من سقم الكفر ، ومن علمه وعمل به كان له شفاء من سقم الجهل .
31 - وأما
تسميته " رحمة " فإن من فهمه وعقله كان رحمة له .
32 - وأما
تسميته " قصصا " ; فلأن فيه قصص الأمم الماضين وأخبارهم .
33 - وأما
تسميته " مجيدا " والمجيد الشريف ; فمن شرفه أنه حفظ عن التغيير والتبديل ، والزيادة والنقصان ، وجعله معجزا في نفسه عن أن يؤتى بمثله .
34 - وأما
تسميته " تنزيلا " ; فلأنه مصدر نزلته لأنه منزل من عند الله على لسان
جبريل ; لأن الله تعالى أسمع
جبريل كلامه ، وفهمه إياه كما شاء من غير وصف ولا كيفية ، نزل به على نبيه فأداه هو كما فهمه وعلمه .
35 - وأما
تسميته " بصائر " ; فلأنه مشتق من البصر والبصيرة ، وهو جامع لمعاني أغراض المؤمنين ، كما قال تعالى :
ولا رطب ولا يابس ( الأنعام : 59 ) .
[ ص: 377 ] 36 - وأما تسميته " ذكرى " ; فلأنه ذكر للمؤمنين ما فطرهم الله عليه من التوحيد ، وأما قوله تعالى :
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ( الأنبياء : 105 ) ، فالمراد بالزبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء ، لا يختص بزبور
داود ، والذكر أم الكتاب الذي من عند الله تعالى .
وذكر الشيخ
شهاب الدين أبو شامة في " المرشد الوجيز " في قوله تعالى :
ورزق ربك خير وأبقى ( طه : 131 ) قال : يعني القرآن . وقال
السخاوي : يعني ما رزقك الله من القرآن خير مما رزقهم من الدنيا .