فصل [ في حذف النون ]
ويلحق بهذا القسم
حذف النون الذي هو لام فعل ، فيحذف تنبيها على صغر مبدأ الشيء وحقارته ، وأن منه ينشأ ويزيد ، إلى ما لا يحيط بعلمه غير الله ، مثل :
ألم يك نطفة ( القيامة : 37 ) ، حذفت النون تنبيها على مهانة مبتدأ الإنسان وصغر قدره بحسب ما يدرك هو من نفسه ، ثم يترقى في أطوار التكوين
فإذا هو خصيم مبين ( يس : 77 ) ، فهو حين كان نطفة كان ناقص الكون ; كذلك كل مرتبة ينتهي إليها كونه وهي ناقصة الكون بالنسبة لما بعدها ، فالوجود الدنيوي كله ناقص الكون عن كون الآخرة ، كما قال الله تعالى :
وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ( العنكبوت : 64 ) .
[ ص: 38 ] كذلك :
وإن تك حسنة يضاعفها ( النساء : 40 ) حذفت النون تنبيها على أنها وإن كانت صغيرة المقدار ، حقيرة في الاعتبار ، فإن إليه ترتيبها وتضاعيفها . ومثله :
إن تك مثقال حبة من خردل ( لقمان : 16 ) .
وكذلك :
أو لم تك تأتيكم رسلكم ( غافر : 50 ) جاءتهم الرسل من أقرب شيء في البيان ، الذي أقل من مبدأ فيه وهو الحس ، إلى العقل ، إلى الذكر ، ورقوهم من أخفض رتبة - وهى الجهل - إلى أرفع درجة في العلم - وهي اليقين - وهذا بخلاف قوله تعالى :
ألم تكن آياتي تتلى عليكم ( المؤمنون : 105 ) ; فإن كون تلاوة الآيات قد أكمل كونه وتم . وكذلك :
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( النساء : 97 ) ، هذا قد تم كونه . وكذلك :
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( البينة : 1 ) ، هذا قد تم كونهم غير منفكين إلى تلك الغاية المجعولة لهم ، وهى مجيء البينة .
وكذلك :
فلم يك ينفعهم إيمانهم ( غافر : 85 ) ، انتفى عن إيمانهم مبدأ الانتفاع وأقله ، فانتفى أصله .