قاعدة في الإطلاق والتقييد
إن وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه ، وإلا فلا ، والمطلق على إطلاقه ، والمقيد على تقييده ; لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب ، والضابط أن الله تعالى إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ، ثم ورد حكم آخر مطلقا نظر ; فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به ، وإن كان له أصل غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر .
فالأول مثل اشتراط الله العدالة في الشهود على الرجعة والفراق والوصية ، وإطلاقه الشهادة في البيوع وغيرها ; والعدالة شرط في الجميع .
ومنه تقييد ميراث الزوجين بقوله :
من بعد وصية يوصين بها أو دين ( النساء : 12 ) وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه ، وكان ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين .
وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرقبة المؤمنة ، وأطلقها في كفارة الظهار واليمين ، والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة .
وكذلك تقييد الأيدي إلى المرافق في الوضوء ، وإطلاقه في التيمم .
وكذلك :
ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ( المائدة : 5 ) فأطلق الإحباط عليه ، وعلقه بنفس الردة ، ولم يشترط الموافاة عليه ، وقال في الآية الأخرى :
ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم ( البقرة : 217 ) فقيد الردة بالموت عليها والموافاة على الكفر ، فوجب رد الآية المطلقة إليها ، وألا يقضى بإحباط الأعمال
[ ص: 141 ] إلا بشرط الموافاة عليها ; وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه ، وإن كان قد تورع في هذا التقرير .
ومن هذا الإطلاق تحريم الدم وتقييده في موضع آخر بالمسفوح ، وقوله :
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ( النساء : 43 ) ، وقال في موضع آخر :
منه ( المائدة : 6 ) .
وقوله :
من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ( الشورى : 20 ) فإنه لو قيل : نحن نرى من يطلب الدنيا طلبا حثيثا ولا يحصل له منها شيء ! قلنا : قال الله تعالى :
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( الإسراء : 18 ) ، فعلق ما يريد بالمشيئة والإرادة .
ومثله قوله تعالى :
أجيب دعوة الداع إذا دعان ( البقرة : 186 ) ، وقوله :
ادعوني أستجب لكم ( غافر : 60 ) فإنه معلق .