الثامن : ما فيه من
النظم والتأليف والترصيف ، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ، ومباين لأساليب خطاباتهم ، واختاره القاضي أبو بكر . قال : ولهذا لم يمكنهم معارضته . قال : ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي ادعوها في الشعر ; لأنه ليس مما يخرق العادة ، بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدريب والتصنع له ، كقول الشعر ، ورصف الخطب ، وصناعة الرسالة ، والحذق في البلاغة ، وله طريق يسلك ، فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه ، ولا إمام يقتدى به ، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا . قال : ونحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر ، وفي بعض أدق وأغمض .
ثم قال
القاضي : فإن قيل : ما الذي وقع التحدي به ؟ أهو الحروف المنظومة ؟ أو
[ ص: 231 ] الكلام القائم بالذات ؟ أو غيره ؟
قلنا : الذي تحداهم به أن يأتوا على الحروف التي هي نظم القرآن منظومة حكمها متتابعها كتتابعها ، مطردة كاطرادها ، ولم يتحدهم إلى أن يأتوا بالكلام القديم الذي لا مثل له .
وقال بعض الأئمة : ليس الإعجاز المتحدى به إلا في النظم ، لا في المفهوم ; لأن المفهوم لم يمكن الإحاطة به ، ولا الوقوف على حقيقة المراد منه ، فكيف يتصور أن يتحدى بما لا يمكن الوقوف عليه ، إذ هو يسع كل شيء ، فأي شيء قوبل به ادعى أنه غير المراد ، ويتسلسل .