[ ص: 256 ] النوع الأربعون
في بيان معاضدة السنة للقرآن
اعلم أن
القرآن والحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدارج الحكمة ; حتى إن كل واحد منهما يخصص عموم الآخر ، ويبين إجماله .
ثم منه ما هو ظاهر ، ومعه ما يغمض ، وقد اعتنى بإفراد ذلك بالتصنيف :
nindex.php?page=showalam&ids=12981الإمام أبو الحكم بن برجان في كتابه المسمى بـ " الإرشاد " ، وقال : ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من شيء فهو في القرآن ، أو فيه أصله ، قرب أو بعد ، فهمه من فهمه ، وعمه عنه من عمه ، قال الله تعالى :
ما فرطنا في الكتاب من شيء ( الأنعام : 38 ) .
ألا تسمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرجم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018608لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى . وليس في نص كتاب الله الرجم .
وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهما بكتاب الله ، ولكن الرجم فيه تعريض مجمل في قوله تعالى :
ويدرأ عنها العذاب ( النور : 8 ) .
وأما تعيين الرجم من عموم ذكر العذاب ، وتفسير هذا المجمل ، فهو مبين بحكم الرسول وأمره به ; وموجود في عموم قوله :
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( الحشر : 7 ) وقوله :
من يطع الرسول فقد أطاع الله ( النساء : 80 ) .
[ ص: 257 ] وهكذا حكم جميع قضائه ، وحكمه على طرقه التي أتت عليه ، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ، ويبلغ منه الراغب فيه حيث بلغه ربه تبارك وتعالى ; لأنه واهب النعم ، ومقدر القسم .
وهذا البيان من العلم جليل ، وحظه من اليقين جزيل ، وقد نبهنا صلى الله عليه وسلم على هذا المطلب في مواضع كثيرة من خطابه .
منها : حين ذكر ما أعد الله تعالى لأوليائه في الجنة فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018609فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعتم عليه . ثم قال : اقرءوا إن شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ( السجدة : 17 ) .
ومنها : قالوا يا رسول الله : ألا نتكل وندع العمل ؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018610اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، ثم قرأ : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ( الليل : 5 - 10 ) .
ووصف الجنة ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018611فيها شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ، ولا يقطعها . ثم قال : اقرءوا إن شئتم : وظل ممدود ( الواقعة : 30 ) .
[ ص: 258 ] فأعلمهم
مواضع حديثه من القرآن ، ونبههم على مصداق خطابه من الكتاب ، ليستخرج علماء أمته معاني حديثه طلبا لليقين ، ولتستبين لهم السبيل ، حرصا منه عليه السلام على أن يزيل عنهم الارتياب ، وأن يرتقوا في الأسباب . ثم بدأ رضي الله عنه بحديث : (
إنما الأعمال بالنيات ) ، وقال :
موضعه نصا في قوله تعالى :
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( الإسراء : 18 ) إلى قوله :
فأولئك كان سعيهم مشكورا ( الإسراء : 19 ) .
ونظيرها في هود ( الآية : 15 ) والشورى ( الآية : 20 ) .
وموضع التصريح به قوله :
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ( البقرة : 225 ) و
بما عقدتم الأيمان ( المائدة : 89 ) .
وأما التعريض فكثير ، مثل قوله :
الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ( النساء : 139 ) ،
من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ( فاطر : 10 ) قد علم الله عز وجل أنهم كانوا يريدون الاعتزاز ، لأن الإنسان مجبول على طلب العزة ; فمخطئ أو مصيب . فمعنى الآية والله أعلم : بلغ هؤلاء المتخذين الكافرين أولياء من دون الله من ابتغاء العزة بهم ، أنهم قد أخطئوا مواضعها وطلبوها في غير مطلبها ، فإن كانوا يصدقون أنفسهم في طلبها فليوالوا الله جل جلاله ، وليوالوا من والاه
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( المنافقون : 8 ) . فكان ظاهر آية النساء تعريضا لظاهر آية المنافقين ، وظاهر آية سورة المنافقين تعريضا بنص الحديث المروي .
ومن ذلك حديث
جبريل في الإيمان والإسلام ، بين فيه أن الشهادة بالحق والأعمال
[ ص: 259 ] الظاهرة هي الإسلام ، وأن عقد القلب على التصديق بالحق هو الإيمان ، وهو نص الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في " مسنده " : الإسلام ظاهر والإيمان في القلب موضعه من القرآن :
وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ( آل عمران : 83 ) وقوله :
أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ( المجادلة : 22 ) ونظائرها :
وأيدهم بروح منه ( المجادلة : 22 ) قال : وبنيت هاتين الصفتين على الصفات العليا صفات الله - تعالى ظهورها - من الأسماء الحسنى : اسم السلام ، واسم المؤمن .
ومن ذلك حديث
ضمام بن ثعلبة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1014567أفلح إن صدق ، في قوله : ما على المحسنين من سبيل ( التوبة : 91 ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018612من قال لا إله إلا الله حرمه الله على النار ، في قوله : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن ( الأنعام : 82 ) وهو مفهوم من قوله :
إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ( الصافات : 35 ) فأخبر أنهم دخلوا النار من
[ ص: 260 ] أجل استكبارهم وإبائهم من قول : لا إله إلا الله ، مفهوم هذا أنهم إذا قالوها مخلصين بها حرموا على النار .
وقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018613من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه في قوله تعالى :
حديث ضيف إبراهيم المكرمين ( الذاريات : 24 ) وقوله :
والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ( النساء : 36 ) وهذه الأربع كلمات جمعن حسن الصحبة للخلق ; لأن من كف شره وأذاه ، وقال خيرا أو صمت عن الشر وأفضل على جاره ، وأكرم ضيفه ، فقد نجا من النار ، ودخل الجنة إذا كان مؤمنا بالله وسبقت له الحسنى ، فإن العاقبة مستورة ، والأمور بخواتيمها ; ولهذا قيل : لا يغرنكم صفاء الأوقات ، فإن تحتها غوامض الآفات .
وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1015249رأس الكفر نحو المشرق في قوله تعالى :
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى الآية ( الأنعام : 75 و 76 ) فأخبر أن الناظر في ملكوت الله لا بد له من ضروب الامتحان ، وأن الهداية يمنحها الله للناظر بعد التبري منها والمعصوم من عصمه الله ، قال الله تعالى :
إني ذاهب إلى ربي سيهدين ( الصافات : 99 ) وقال :
فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب ( مريم : 49 ) وطلوع الكواكب نحو المشرق ومن هناك إقبالها ، وذلك أشرف لها وأكبر لشأنها عند المفتونين ، وغروبها إدبارها ، وطلوعها بين قرني الشيطان من
[ ص: 261 ] أجل ذلك ليزينها لهم ، قال - تعالى - :
وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم ( النمل : 24 ) ولما كان في مطلع النيرات من العبر بطلوعها من هناك وظهورها - عظمت المحنة بهن ، ولما في الغروب من عدم تلك العلة التي تتبين هناك بتزيين العدو لها ، وإليه أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018614وتغرب بين قرني الشيطان .
ولأجل ما بين معنى الإقبال والإدبار كان باب التوبة مفتوحا من جهته إلى يوم تطلع الشمس منه ، ألا تسمع إلى قوله - تعالى - :
وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ( الكهف : 90 ) أي وقعت عقولهم عليها ، وحجبت بها عن حالتها ، مع قوله :
لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ( فصلت : 37 ) .
وفي قوله عند طلوعها : هذا ربي ( الأنعام : 76 ) وعند غروبها :
لا أحب الآفلين ( الأنعام : 76 ) ،
لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ( الأنعام : 77 ) ما يبين تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله :
رأس الفتنة والكفر نحو المشرق ، وإن باب التوبة مفتوح من قبل المغرب .
ومن ذلك بدء الوحي في قوله - سبحانه - :
أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( النحل : 1 ) إلى قوله :
ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ( النحل : 2 ) .
[ ص: 262 ] وقول
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة : والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وقوله - تعالى - :
ادع لنا ربك بما عهد عندك ( الأعراف : 134 ) وقوله :
فلولا أنه كان من المسبحين ( الصافات : 143 ) وفي هذا بين - صلى الله عليه وسلم - أصحاب الغار الثلاثة ، إذ قال بعضهم لبعض : ليدع كل واحد منكم بأفضل أعماله لعل الله - تعالى - أن يفرج عنا .
وقول
ورقة : يا ليتني حي إذ يخرجك قومك إلخ ، وقوله - تعالى - :
لنخرجنك ياشعيب ( الأعراف : 88 ) وقوله - تعالى - :
وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ( إبراهيم : 13 ) .
وكذلك قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018616لم يأت أحد بما جئت به إلا عودي " من قوله - تعالى - :
كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ( الذاريات : 52 و 53 ) ومن ذلك حديث المعراج ، . . . . . . . .
[ ص: 263 ] مصداقه في سورة الإسراء وفي صدر سورة النجم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018617رأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به من مفهوم قوله - تعالى - :
ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ( النحل : 123 ) .
وبتصديق كلمة الله ، اتبعه كونا وملة ، وهكذا حاله حيث جاءت صدقا وعدلا فتطلب صدق كلماته بترداد تلاوتك لكتابه ، ونظرك في مصنوعاته ، فهذا هو قصد سبيل المتقين ، وأرفع مراتب الإيمان ، قال - تعالى - :
فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ( الأعراف : 158 ) وقال
لزكريا :
أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ( آل عمران : 39 ) ولما كان
عيسى عليه السلام من أسمى كلماته لم يأت يوم القيامة بذنب لطهارته وزكاته .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
إن الله لا ينام . في قوله :
لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) .
وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018619ولا ينبغي له أن ينام . من قوله : القيوم ( البقرة : 255 ) وفسره - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018620يخفض القسط ويرفعه ، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ومصداقه أيضا قوله تعالى :
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ( آل عمران : 26 ) .
[ ص: 264 ] ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018621الصلوات الخمس كفارات لما بينهن وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018622الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما وزيادة ثلاثة أيام .
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018623ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما في قوله - تعالى - :
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( الأنعام : 160 ) ، فهذا رمضان بعشرة أشهر العام ، ويبقى شهران داخلان في كرم الله - تعالى - وحسن معاملته .
قلت : قد جاء في حديث آخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018624وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر ، مع قوله - تعالى - :
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها انتهى .
وقال في الجمعة :
فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( الآية : 9 ) وكذلك قال في الصوم :
وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ( البقرة : 184 ) أشار إلى سر في الجمعة ، وفضل عظيم ، أراهما الزيارة والرؤية في الجنة ، فإنها تكون في يوم الجمعة . وكذلك أشار في الصيام بقوله :
إن كنتم تعلمون ( البقرة : 184 ) إلى سر في الصيام ، وهو حسن عاقبته وجزيل عائدته ، فنبه - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018625لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك .
وقوله وقد رأى أعقابهم تلوح لم يصبها الماء :
ويل للأعقاب من النار في مفهوم
[ ص: 265 ] فاغسلوا ( المائدة : 6 ) في معنى قوله :
لتبين للناس ما نزل إليهم ( النحل : 44 ) وغسل هو قدميه وعمهما غسلا .
وقال :
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ( النور : 63 ) مع قوله :
ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ( النساء : 14 ) .
وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018626إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من كل خطيئة نظر إليها بعينيه الحديث ، من قوله - تعالى - :
ولكن يريد ليطهركم ( المائدة : 6 ) أي من ذنوبكم
وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ( المائدة : 6 ) أي ترقون في درجة الشكر فيتقبل أعمالكم القبول الأعلى ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018627وكان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة فله الشكر ، والشكر درجات ؛ وإنما يتبين بأن يبقى من العمل بعد الكفارة فضل ، وهو النافلة ، وهو المسمى بالباقيات الصالحات ، لمن قلت ذنوبه ، وكثرت صالحاته ، فذلك الشكر ، ومن كثرت ذنوبه وقلت صالحاته فأكلتها الكفارات ، فذلك المرجو له دخول الجنة ، ومن زادت ذنوبه فلم تقم صالحاته بكفارة ذنوبه ، فذلك المخوف عليه ،
إلا أن يشاء ربي شيئا ( الأنعام : 80 ) .
قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018628أنتم الغر المحجلون يوم القيامة في قوله - تعالى - :
يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم ( الحديد : 12 ) .
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018629تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء وهذا كله داخل في قوله - تعالى - :
وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ( المائدة : 6 ) وجاءت لام كي هاهنا
[ ص: 266 ] إشعارا ووعدا وبشارة لهم بنعم أخرى واردة عليهم من الشرائع لم تأت بعد ، ولذلك قال يوم الإكمال في حجة الوداع :
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ( المائدة : 3 ) .
ومن ذلك حديث الأذان وكيفيته بقوله :
أشهد أن لا إله إلا الله ، من قوله :
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ( آل عمران : 18 ) . ) وتكرارها في قوله :
لا إله إلا هو ( آل عمران : 18 ) .
وقوله :
أشهد أن محمدا رسول الله ، في قوله - تعالى - :
محمد رسول الله ( الفتح : 29 ) ،
وما محمد إلا رسول ( آل عمران : 144 ) مع قوله :
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ( النساء : 166 ) وتكرار الشهادة للرسول في معنى قوله : وكفى بالله شهيدا مع قوله - تعالى - :
ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( الأحزاب : 41 ) والتنبيه أول الكثرة ، ولأنها عبارة شرعت للإعلام ، فتكرارها آكد فيما شرعت له .
وأما إسراره بهما - يعني بالشهادتين - فمن مفهوم قوله :
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول ( الأعراف : 205 ) وأما إجهاره بهما ففي قوله - تعالى - :
ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ( الجمعة : 9 ) والنداء الإعلام ، ولا يكون إلا بنهاية الجهر .
وقوله : " حي على الصلاة " في قوله :
وإذا ناديتم إلى الصلاة ( المائدة : 58 ) ،
إذا نودي للصلاة ( الجمعة : 9 ) .
وقوله : " حي على الفلاح " في قوله :
اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ( الحج : 77 ) .
[ ص: 267 ] وقوله : الصلاة خير من النوم ، في قوله :
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ( الذاريات : 55 ) ،
وقوله : ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ( الأنفال : 20 ) .
وقوله : " الله أكبر ، الله أكبر " من قوله :
ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ( البقرة : 185 ) .
وقوله : لا إله إلا الله ( القتال : 19 ) كررها وختم بها في قوله :
واذكروه كما هداكم ( البقرة : 198 ) ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018636وأفضل الذكر لا إله إلا الله فختم بما بدأ به لقوله :
هو الأول والآخر ( الحديد : 3 ) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1018637صلوا علي فإنه من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا في قوله :
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( الأنعام : 160 ) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018638ثم سلوا الله لي الوسيلة في قوله :
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( الإسراء : 79 ) ،
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ( المائدة : 35 ) .
وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018639حلت له شفاعتي يوم القيامة في قوله :
من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ( النساء : 85 ) .
[ ص: 268 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018640دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل به ، كلما دعا لأخيه بشيء قال الملك : آمين ولك بمثله ، في قوله - تعالى - :
اهدنا الصراط المستقيم ( الفاتحة : 6 ) إلى آخر السورة ، هذا دعاء من يأتي به لنفسه ولجماعة المسلمين بظهر الغيب ، تقول الملائكة في السماء : آمين ، وقد قال - تعالى - : ولعبدي ما سأل .
ومن ذلك
قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015992إن إبراهيم حرم مكة وأنا حرمت المدينة وقوله - تعالى - :
لا أقسم بهذا البلد ( البلد : 1 ) يريد
مكة ، ثم قال :
وأنت حل بهذا البلد ( البلد : 2 ) يمكن أن يريد به
المدينة ، ويكون في الآية تعريض بحرمة البلدين ، حيث أقسم بهما ، وتكراره البلد مرتين دليل على ذلك ، وجعل الاسمين لمعنيين أولى من أن يكونا لمعنى واحد ، وأن يستعمل الخطاب في البلدين أولى من استعماله في أحدهما ؛ بدليل وجود الحرمة فيهما .
ومن ذلك حديث الدجال . قلت : وقع سؤال بين جماعة من الفضلاء في أنه :
ما الحكمة في أنه لم يذكر الدجال في القرآن ؟ ! وتلمحوا في ذلك حكما ، ثم رأيت هذا الإمام قال : إن في القرآن تعريضا بقصته في قصة
السامري ، وقوله - سبحانه - :
وإن لك موعدا لن تخلفه ( طه : 97 )
[ ص: 269 ] وقوله في سورة الإسراء في قوله :
وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما ( الإسراء : 4 و 5 ) فذكر الوعد الأول ، ثم ذكر الكرة التي
لبني إسرائيل عليه ، ثم ذكر الآخرة فقال :
فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم ( الإسراء : 7 ) الآية ثم قال :
وإن عدتم عدنا ( الإسراء : 8 ) وفيه إشارة إلى خروج
عيسى .
وكذلك هو في الآيات الأول من سورة الكهف في قوله :
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( الآية : 8 ) والدجال مما على الأرض ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018641من قرأ الآيات من أول سورة الكهف عصمه الله من فتنة الدجال يريد والله أعلم : من قرأها بعلم ومعرفة . وهو أيضا في المفهوم من قوله :
محمد رسول الله ( الفتح : 29 ) ،
وخاتم النبيين ( الأحزاب : 40 ) .
ومن الأمر بمجاهدة المشركين والمنافقين قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018642تخرج الأرض أفلاذ كبدها ، ويحسر الفرات عن جبل من ذهب في قوله - تعالى - :
وأخرجت الأرض أثقالها ( الزلزلة : 2 ) فإن الأرض تلقي ما فيها من الذهب والفضة ، حتى يكون آخر ما تلقي الأموات أحياء .
ومصداقه أيضا في عموم قوله :
يخرج الخبء في السماوات والأرض ( النمل : 25 ) فتوجه القرآن إلى الإخبار عن إخراجها الأموات أحياء ، وتوجه الحديث إلى الإخبار عن إخراجها كنوزها ومعادنها .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018643حتى تعود أرض العرب مروجا في قوله - تعالى - :
[ ص: 270 ] حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ( يونس : 24 ) الآية .
وذلك يكون عند إتمام كلمة الحق :
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ( محمد : 38 ) وقد تولوا ، وقوله :
وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ( الجمعة : 3 ) يومئذ تظهر العاقبة ، ويلقي الأمر بجرانه ، وتضع الحرب أوزارها ، ويكون ذلك علما على الساعة ، وآية على قرب الانقراض .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في مثل الدنيا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018644إن مما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها في قوله - تعالى - :
كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ( العلق : 6 و 7 ) وقوله :
أنما الحياة الدنيا لعب ( الحديد : 20 ) .
ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018645إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين في مفهوم قوله - تعالى - :
كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( البقرة : 183 ) إلى أن الصوم ينتهي نفعه إلى اكتساب التقوى ؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018646الصيام جنة ، ولا يكون ذلك إلا بضعف حزب الشيطان ، فتغلق عنه أبواب المعاصي ؛ وهى أبواب جهنم ، وتفتح له أبواب الطاعة والقربات ، وهي أبواب الجنات .
[ ص: 271 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018647تسحروا فإن في السحور بركة من آثار قوله - تعالى - :
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ( البقرة : 187 ) ومن بركة حضوره الذي هو وقت نزوله - جل وعلا - إلى سماء الدنيا كل ليلة ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - يبتغي البركة في موضع خطاب ربه ، وفي موضع حضوره أو ذكره ، أو اسم من أسمائه ، ومن هنا وقع التعبد باسم المبارك ، واسم القدوس .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018648إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا ، فقد أفطر الصائم في قوله - تعالى - :
ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة : 187 ) وقوله :
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( البقرة : 187 ) والبركة في اتباع مجاري خطابه ، وإن كان الخطاب حكمه حكم إباحة ؛ كما أن البركة في اتباع السنة والاقتداء ؛ ولهذا كان أكثر الصحابة لا يصلون المغرب إلا على فطر ، وكانوا يؤخرون السحور إلى بزوغ الفجر ابتغاء البركة في ذلك ، والخير الموعود به .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018649إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين في معنى قوله حكاية عن خليله :
والذي هو يطعمني ويسقين ( الشعراء : 79 ) والمعنى بما يفتح الله لخاصته من خلقه الذين لا يطعمون ، إنما غذاؤهم التسبيح والتهليل والتحميد .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث
الصعب بن جثامة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018650إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ، في مفهوم
[ ص: 272 ] قوله - تعالى - :
لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( المائدة : 95 ) والآكل راض والراضي شريك .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث
حنظلة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018651لو أنكم تدومون على ما كنتم عندي لصافحتكم الملائكة ولكن ساعة وساعة في قوله :
وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ( يونس : 12 ) وقوله :
ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ( النحل : 53 و 54 ) .
فذكر - تعالى - اللجأ إليه عندما يلحق الإنسان الضر ، وهو ذكر صوري ، فلو كان الذكر بينهم على الدوام ، لم تفارقهم الملائكة السياحون الملازمون حلق الذكر ، كما قال - تعالى - عنهم :
يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( الأنبياء : 20 ) ولو قربوا من الملائكة هذا القرب لبدت لهم عيانا ، ولأكرمهم الله منه بحسن الصحبة وجميل الألفة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018652يبعث كل عبد على ما مات عليه في قوله - تعالى - :
سواء محياهم ومماتهم ( الجاثية : 21 ) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018653إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب من كان منهم ثم يبعثون على أعمالهم في قوله - تعالى - :
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( الأنفال : 25 ) .
[ ص: 273 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018654من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة في قوله - تعالى - :
من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ( النساء : 85 ) ومع قوله :
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ( النحل : 25 ) .
وقوله :
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( العنكبوت : 13 ) مع ما جاء من نبأ ابني آدم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في جواب من سأله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018655أي الصدقة أعظم ؟ قال : أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم والحديث في قوله - تعالى - :
قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ( إبراهيم : 31 ) .
وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1014336اليد العليا خير من اليد السفلى في قوله - تعالى - :
والله الغني وأنتم الفقراء ( محمد : 38 ) .
وقد جاء : أن اليد السفلى الآخذة ، والعليا هي المعطية ، وشاهده قوله - تعالى - :
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( الحديد : 11 ) .
[ ص: 274 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - حكاية عن الله - تعالى - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018656من يقرض غير عديم ولا ظلوم ووجه ذلك أن العطية من أيدينا مفتقرة إلى من يضع فيها حقا وجب عليها ، ويطهرها بذلك من ذنوبها وأنجاسها ، ولولا اليد الآخذة ما قدر صاحب المال على صدقة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018657من يرد الله به خيرا يفقهه في قوله - تعالى - :
وإلهكم إله واحد ( البقرة : 163 ) إلى قوله :
لآيات لقوم يعقلون ( البقرة : 164 ) .
وقوله :
انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ( الأنعام : 65 ) وقوله :
تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( الحشر : 14 ) ووصف من لم يفهم عن المخلوقات بقوله :
ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( الإسراء : 44 ) ثم أعلم - سبحانه - سعة مغفرته لمن في الأرض الذين لا يسبحونه ولا يفقهون تسبيح المسبحين من خلقه ، ثم أعلم بالعلة التي لأجلها حرموا الفقه عن ربهم ، وأن ذلك هو ختم عقوبة الإعراض بقوله :
وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ( الإسراء : 45 و 46 ) الآية .
وبالجملة فالقرآن كله لم ينزله - تعالى - إلا ليفهمه ، ويعلم ويفهم ، ولذلك خاطب به أولي الألباب الذين يعقلون ، والذين يعلمون ، والذين يفقهون ، والذين يتفكرون ، والذين يتدبرون ، ليدبروا آياته ، وليتذكر أولو الألباب .
وكذلك ما خلق الله الدنيا إلا مثالا
[ ص: 275 ] للآخرة ؛ فمن فقه عن ربه - عز وجل - مراده منها ؛ فقد أراح نفسه وأجم فكره من هذه الجملة . وفي هذا النوع من الفقه أفنى أولو الألباب أعمارهم ، وفي تعريفه أتعبوا قلوبهم ، وواصلوا أفكارهم .
رزقنا الله من فضله العظيم نورا نمشي به في الظلمات ، وفرقانا نفرق به بين المتشابهات .