فصل
أصل الوقوف على معاني القرآن التدبر والتفكر ، واعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة ، ولا يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة ، وفي قلبه بدعة أو إصرار على
[ ص: 320 ] ذنب ، أو في قلبه كبر أو هوى ، أو حب الدنيا ، أو يكون غير متحقق الإيمان ، أو ضعيف التحقيق ، أو معتمدا على قول مفسر ليس عنده إلا علم بظاهر ، أو يكون راجعا إلى معقوله ؛ وهذه كلها حجب وموانع ، وبعضها آكد من بعض ؛ بل إذا كان العبد مصغيا إلى كلام ربه ملقي السمع وهو شهيد القلب لمعاني صفات مخاطبه ، ناظرا إلى قدرته ، تاركا للمعهود من علمه ومعقوله ، متبرئا من حوله وقوته ، معظما للمتكلم ، مفتقرا إلى التفهم ، بحال مستقيم ، وقلب سليم ، وقوة علم ، وتمكن سمع لفهم الخطاب ، وشهادة غيب الجواب ، بدعاء وتضرع ، وابتئاس وتمسكن ، وانتظار للفتح عليه من عند الفتاح العليم .
وليستعن على ذلك بأن تكون تلاوته على معاني الكلام ، وشهادة وصف المتكلم ؛ من الوعد بالتشويق ، والوعيد بالتخويف ، والإنذار بالتشديد ، فهذا القارئ أحسن الناس صوتا بالقرآن ؛ وفي مثل هذا قال - تعالى - :
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ( البقرة : 121 ) .
وهذا هو الراسخ في العلم ؛ جعلنا الله وإياكم من هذا الصنف :
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الأحزاب : 4 ) .