الثاني : عكسه ، وهو
إيقاع السبب موقع المسبب . كقوله - تعالى - :
وجزاء سيئة سيئة مثلها ( الشورى : 40 ) . وقوله - تعالى - :
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( البقرة : 194 ) سمي الجزاء الذي هو السبب سيئة واعتداء ، فسمي الشيء باسم سببه وإن عبرت السيئة عما ساء - أي أحزن - لم يكن من هذا الباب ؛ لأن الإساءة تحزن في الحقيقة ، كالجناية .
ومنه :
ومكروا ومكر الله ( آل عمران : 54 ) تجوز بلفظ المكر عن عقوبته لأنه سبب لها .
ومنه قوله :
أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ( البقرة : 282 ) إنما جعلت المرأتان للتذكير إذا وقع الضلال لا ليقع الضلال ؛ فلما كان الضلال سببا للتذكير أقيم مقامه .
ومنه إطلاق اسم الكتاب على الحفظ ؛ أي المكتوب فإن الكتابة سبب له ، كقوله
[ ص: 382 ] تعالى :
سنكتب ما قالوا ( آل عمران : 181 ) أي سنحفظه حتى يجازيهم عليه .
ومنه إطلاق اسم السمع على القبول ، كقوله - تعالى - :
ما كانوا يستطيعون السمع ( هود : 20 ) أي ما كانوا يستطيعون قبول ذلك والعمل به ؛ لأن قبول الشيء مرتب على سماعه ومسبب عنه . ويجوز أن يكون في نفي السمع لابتغاء فائدته . ومنه قول الشاعر :
وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها فليس لمخضوب البنان يمين
أي وفاء يمين .
ومنه إطلاق الإيمان على ما نشأ عنه من الطاعة ، كقوله - تعالى - :
وما كان الله ليضيع إيمانكم ( البقرة : 143 ) .
أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ( البقرة : 85 ) أي أفتعلمون ببعض التوراة وهو فداء الأسارى ، وتتركون العمل ببعض وهو قتل إخوانهم وإخراجهم من ديارهم .
وجعل الشيخ
عز الدين من الأنواع نسبة الفعل إلى سبب سببه ، كقوله - تعالى - :
فأخرجهما مما كانا فيه ( البقرة : 36 ) أي كما أخرج أبويكم فلا يخرجنكما من الجنة :
ينزع عنهما لباسهما ( الأعراف : 27 ) المخرج والنازع في الحقيقة هو الله - عز وجل - ، وسبب ذلك أكل الشجرة ، وسبب أكل الشجرة وسوسة الشيطان ومقاسمته على أنه من الناصحين . وقد مثل البيانيون بهذه الآية للسبب وإنما هي لسبب السبب . وقوله :
وأحلوا قومهم دار البوار ( إبراهيم : 28 ) لما أمروهم بالكفر الموجب لحلول النار .