الرابع :
إطلاق اسم الجزء على الكل . كقوله - تعالى - :
كل شيء هالك إلا وجهه ( القصص : 88 ) أي ذاته
ويبقى وجه ربك ( الرحمن : 27 ) وقوله :
وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ( البقرة : 144 ) . وقوله :
وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ( الغاشية : 2 و 3 ) يريد الأجساد ؛ لأن العمل والنصب من صفاتها ، وأما قوله :
وجوه يومئذ ناعمة ( الغاشية : 8 ) فيجوز أن يكون من هذا ؛ عبر بالوجوه عن الرجال ، ويجوز أن يكون من وصف البعض بصفة الكل ؛ لأن التنعم منسوب إلى جميع
[ ص: 384 ] الجسد . ومنه :
وجوه يومئذ ناضرة ( القيامة : 22 ) فالوجه المراد به جميع ما تقع به المواجهة لا الوجه وحده .
وقد اختلف في تأويل الوجه الذي جاء مضافا إلى الله في مواضع من القرآن ، فنقل
ابن عطية عن الحذاق أنه راجع إلى الوجود ، والعبارة عنه بالوجه مجاز ؛ إذ هو أظهر الأعضاء فـ المشاهدة وأجلها قدرا . وقيل - وهو الصواب - : هي صفة ثابتة بالسمع ، زائدة على ما توجبه العقول من صفات الله - تعالى - ، وضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين . وأما قوله - تعالى - :
فثم وجه الله ( البقرة : 115 ) فالمراد الجهة التي وجهنا إليها في القبلة ، وقيل : المراد به الجاه ، أي فثم جلال الله وعظمته .
وقوله :
فبما كسبت أيديكم ( الشورى : 30 ) ،
ولا تلقوا بأيديكم ( البقرة : 195 ) تجوز بذلك عن الجملة . وقوله :
واضربوا منهم كل بنان ( الأنفال : 12 ) البنان الإصبع ؛ تجوز بها عن الأيدي والأرجل ، عكس قوله - تعالى - :
يجعلون أصابعهم ( البقرة : 19 ) . وقوله : فتحرير رقبة ( المجادلة : 3 ) . وقوله :
سنسمه على الخرطوم ( القلم : 16 ) عبر بالأنف عن الوجه .
لأخذنا منه باليمين ( الحاقة : 45 ) .
وكقوله - تعالى - :
فإنه آثم قلبه ( البقرة : 283 ) أضاف الإثم إلى القلب وإن كانت الجملة كلها آثمة ؛ من حيث كان محلا لاعتقاد الإثم والبر ، كما نسبت الكتابة إلى اليد من حيث إنها تفعل بها في قوله - تعالى - :
مما كتبت أيديهم ( البقرة : 79 ) وإن كانت الجملة كلها كاتبة ، ولهذا قال :
وويل لهم مما يكسبون ( البقرة : 79 ) .
وكذا قوله :
لا تدركه الأبصار ( الأنعام : 103 ) وقيل : المعنى على حذف المضاف ؛ لأن المدرك هو الجملة دون الحاسة ، فأسند الإدراك إلى الأبصار ، لأنه بها يكون . وكقوله - تعالى - :
ويحذركم الله نفسه ( آل عمران : 28 ) أي إياه .
تعلم ما في نفسي ( المائدة : 116 ) .
وجعل منه بعضهم قوله - تعالى - :
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( النور : 30 )
[ ص: 385 ] وحكى
ابن فارس عن جماعة أن ( من ) هنا للتبعيض ؛ لأنهم أمروا بالغض عما يحرم النظر إليه .
وقوله : قم الليل ( المزمل : 2 ) أي صل في الليل ؛ لأن القيام بعض الصلاة .
وكقوله :
وقرآن الفجر ( الإسراء : 78 ) أي صلاة الفجر . ومنه
المسجد الحرام ( البقرة : 144 ) والمراد جميع الحرم . وقوله :
واركعوا مع الراكعين ( البقرة : 43 ) أي المصلين .
يخرون للأذقان سجدا ( الإسراء : 107 )
ويخرون للأذقان يبكون ( الإسراء : 109 ) أي الوجوه .
وقوله :
إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( آل عمران : 5 ) فعبر بالأرض والسماء عن العالم ؛ لأن المقام مقام الوعيد ، والوعيد إنما يحصل لو بين أن الله لا يخفى عليه أحوال العباد ؛ حتى يجازيهم على كفرهم وإيمانهم ، والعباد وأحوالهم ليست السماء والأرض بل من العالم ؛ فيكون المراد بالسماء والأرض العالم ؛ إطلاقا للجزء على الكل .
وقوله :
قل أذن خير لكم ( التوبة : 61 ) قال
الفارسي : جعله على المجاز " أذن " لأجل إصغائه ؛ قال : ولو صغرت " أذن " هذه التي في هذه الآية ، كان في لحاق التاء فيها وتركها نظر .
وجعل الإمام
فخر الدين قوله - تعالى - :
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ( البقرة : 125 ) المراد به جميع الحرم ، لا صفة
الكعبة فقط ، بدليل قوله :
أنا جعلنا حرما آمنا ( العنكبوت : 67 ) وقوله :
هديا بالغ الكعبة ( المائدة : 95 ) والمراد الحرم كله ، لأنه لا يذبح في
الكعبة ، قال : وكذلك "
المسجد الحرام ، في قوله - تعالى - :
فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( التوبة : 28 ) والمراد منعهم من الحج وحضور مواضع النسك .
وقيل في قوله - تعالى - :
بلى قادرين على أن نسوي بنانه ( القيامة : 4 ) أي نجعلها صفحة مستوية لا شقوق فيها كخف البعير ، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة ، كالكتابة
[ ص: 386 ] والخياطة ونحوها من الأعمال التي يستعان فيها بالأصابع ، قالوا : وذكرت البنان ؛ لأنه قد ذكرت اليدان ، فاختص منها ألطفها .
وجوز
أبو عبيدة ورود البعض وإرادة الكل ؛ وخرج عليه قوله - تعالى - :
ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ( الزخرف : 63 ) أي كله ، وقوله - تعالى - :
وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( غافر : 28 ) وأنشد بيت
لبيد :
تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها
قال : والموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض ؛ ويقال للمنية : علوق ، وعلاقة . انتهى . وهذا الذي قاله فيه أمران : ( أحدهما ) : أنه ظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب عليه أن يبين في شريعته جميع ما اختلفوا فيه ؛ وليس كذلك ؛ بدليل سؤالهم عن الساعة وعن الروح وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله . وأما الآية الأخرى ، فقال
ثعلب : إنه كان وعدهم بشيء من العذاب : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فقال : " يصبكم " هذا العذاب في الدنيا ، وهو بعض الوعيد ، من غير نفي عذاب الآخرة .
الثاني : أنه أخطأ في فهم البيت ؛ وإنما مراد الشاعر ببعض النفوس نفسه هو ، لأنها بعض النفوس حقيقة ؛ ومعنى البيت : أنا إذا لم أرض الأمكنة اتركها إلى أن أموت ؛ أي إذا تركت شيئا لا أعود إليه إلى أن أموت كقول الآخر :
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد إليه بوجه آخر الدهر ترجع
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إن صحت الرواية عن
أبي عبيدة ، فيدخل فيه قول
المازني [ ص: 387 ] في مسألة العلقى : كان أجفى من أن يفقه ما أقول له . وأشار
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بذلك إلى أن
أبا عبيدة قال
للمازني : ما أكذب النحويين ! يقولون : هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث ، وإن الألف في علقى ملحقة ، قال : فقلت له : وما أنكرت من ذلك ؟ قال : سمعت
رؤبة ينشد :
فحط في علقى وفي مكور
فلم ينونها ، فقلت : ما واحد العلقى ؟ فقال : علقاة ، قال
المازني : فأسفت ولم أفسر له ، لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا .
قلت : ويحتمل قوله :
يصبكم بعض الذي يعدكم ( غافر : 28 ) أن الوعيد مما لا يستنكر ترك جميعه ، فكيف بعضه ؟ ! ويدل قوله في آخر هذه السورة :
فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ( غافر : 77 ) وفيها تأييد لكلام
ثعلب أيضا .
وقد يوصف البعض ، كقوله - تعالى - :
يعلم خائنة الأعين ( غافر : 19 ) وقوله :
ناصية كاذبة خاطئة ( العلق : 16 ) الخطأ صفة الكل ، فوصف به الناصية ، وأما الكاذبة فصفة اللسان . وقد يوصف الكل بصفة البعض كقوله :
إنا منكم وجلون ( الحجر : 52 ) والوجل صفة القلب . وقوله :
ولملئت منهم رعبا ( الكهف : 18 ) والرعب إنما يكون في القلب .