فصل
ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر ابن العربي في كتاب " قانون التأويل " : " إن علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم ، على عدد كلم القرآن
[ ص: 110 ] مضروبة في أربعة .
قال بعض السلف : إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومقطع ، وهذا مطلق دون اعتبار تراكيبه وما بينها من روابط . وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله عز وجل .
قال : " وأم [ علوم ] القرآن ثلاثة أقسام : توحيد وتذكير وأحكام ، فالتوحيد تدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله . والتذكير ، ومنه الوعد والوعيد ، والجنة والنار ، وتصفية الظاهر والباطن . والأحكام ، ومنها التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والأمر والنهي والندب " .
" فالأول : (
وإلهكم إله واحد ) ( البقرة : 163 ) ، فيه التوحيد كله في الذات والصفات والأفعال .
والثاني : (
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) ( الذاريات : 55 ) .
والثالث : (
وأن احكم بينهم ) ( المائدة : 49 ) ; ولذلك قيل في معنى قوله تعالى : (
قل هو الله أحد ) ( الإخلاص : 1 )
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018497تعدل ثلث القرآن . يعني في الأجر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وقيل ثلثه في المعنى ; لأن القرآن ثلاثة أقسام كما ذكرنا . وهذه السورة اشتملت على التوحيد " .
[ ص: 111 ] ولهذا المعنى صارت
فاتحة الكتاب أم الكتاب ; لأن فيها الأقسام الثلاثة : فأما التوحيد فمن أولها إلى قوله : (
يوم الدين ) . وأما الأحكام فـ (
إياك نعبد وإياك نستعين ) ، وأما التذكير فمن قوله : (
اهدنا ) إلى آخرها ، فصارت بهذا أما ; لأنه يتفرع عنها كل نبت . وقيل : صارت أما لأنها مقدمة على القرآن بالقبلية ، والأم قبل البنت . وقيل : سميت فاتحة لأنها تفتح أبواب الجنة على وجوه مذكورة في مواضعها " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12981أبو الحكم بن برجان في كتاب " الإرشاد " : " وجملة القرآن تشتمل على ثلاثة علوم : علم أسماء الله تعالى وصفاته ، ثم علم النبوة وبراهينها ، ثم علم التكليف والمحنة " . قال : " وهو أعسر لإغرابه وقلة انصراف الهمم إلى تطلبه من مكانه " .
وقال غيره :
القرآن يشتمل على أربعة أنواع من العلوم : أمر ، ونهي ، وخبر واستخبار - وقيل ستة - وزاد الوعد والوعيد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري : " يشتمل على ثلاثة أشياء : التوحيد ، والأخبار ، والديانات ; ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018498 ( قل هو الله أحد ) ( الإخلاص : 1 ) تعدل ثلث القرآن . وهذه السورة تشمل التوحيد كله " .
وقال
علي بن عيسى : "
القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا : الإعلام والتنبيه ،
[ ص: 112 ] والأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، ووصف الجنة والنار ، وتعليم الإقرار باسم الله وصفاته وأفعاله ، وتعليم الاعتراف بإنعامه ، والاحتجاج على المخالفين ، والرد على الملحدين ، والبيان عن الرغبة والرهبة ، والخير والشر ، والحسن والقبيح ، ونعت الحكمة ، وفضل المعرفة ، ومدح الأبرار وذم الفجار ، والتسليم والتحسين ، والتوكيد والتقريع ، والبيان عن ذم الإخلاف وشرف الأداء " .
قال
القاضي أبو المعالي عزيزي : " وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير تشمل هذه كلها بل أضعافها ; فإن القرآن لا يستدرك ولا تحصى غرائبه وعجائبه ; قال تعالى : (
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) ( الأنعام : 59 ) " .
وقال غيره :
علوم ألفاظ القرآن أربعة :
الإعراب ; وهو في الخبر .
والنظم ; وهو القصد ، نحو : (
واللائي لم يحضن ) ( الطلاق : 4 ) ، معنى باطن نظم بمعنى ظاهر . وقوله : (
قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ) ( يونس : 34 ) ، كأنه قيل : قالوا : ومن يبدأ الخلق ثم يعيده ؟ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول : (
الله يبدأ الخلق ) ( يونس : 34 ) ، لفظ ظاهر نظم بمعنى باطن .
والتصريف في الكلمة ; كأقسط : عدل ، وقسط : جار . وبعد : ضد قرب ، وبعد : هلك .
[ ص: 113 ] والاعتبار ; وهو معيار الأنحاء الثلاثة ، وبه يكون الاستنباط والاستدلال ، وهو كثير ، منه ما يعرف بفحوى الخطاب . ومعنى اعتبرت الشيء طلبت بيانه ، عبرت الرؤيا : بينتها ، قال الله تعالى : (
فاعتبروا ) ( الحشر : 2 ) بعد : (
هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ) ( الحشر : 2 ) دل على أن انتقامه بالخروج من الدار من أعظم الوجوه ، و (
لأول الحشر ) ( الحشر : 2 ) دل على أن لها توابع ; لأن " أول " لا يكون إلا مع " آخر " ; وكان هذا في
بني النضير ثم
أهل نجران . (
ما ظننتم أن يخرجوا ) ( الحشر : 2 ) إلا بنبأ ، وأنهم يستقلون عدد من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم . (
ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ) ( الحشر : 3 ) فيه دليل على أن الإخراج في الشدة مثل العذاب ; إذ جعل بدله .
وقد يتعدد الاعتبار ; نحو : أتاني غير زيد ، أي أتياه ، أو أتاه غير زيد ، لا هو . لو شئت أنت لم أفعل ، أي أنت أمرتني أو نهيتني ; قال الله تعالى : (
لو شاء الله ما عبدنا ) ( النحل : 35 ) رد عليهم بأن الله لا يأمر بالفحشاء ; بدليل قوله : (
والله أمرنا بها ) ( الأعراف : 28 ) ، (
وإذا حللتم فاصطادوا ) ( المائدة : 2 ) فالاعتبار إباحة .
ومن الاعتبار ما يظهر بآي أخر ; كقوله تعالى : (
فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ) ( فاطر : 45 ) ، فهذه تعتبر بآخر الواقعة ( الآيات : 88 - 96 ) ; من أن الناس على ثلاثة منازل ; أي أحل كل فريق في منزلة له ، والله بصير بمنازلهم .
[ ص: 114 ] ومنه ما يظهر بالخبر كقوله تعالى : (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله ) ( البقرة : 97 ) بمعنى الحديث :
إن اليهود قالوا : لو جاء به ميكائيل لاتبعناك ، لأنه يأتي بالخير ، وجبريل لم يأت بالخير قط وأي خير أجل من القرآن .
ومن ضروب النظم قوله تعالى : (
من كان يريد العزة فلله ) ( فاطر : 10 ) ، إن حمل على أن يعتبر أن العزة له لم ينتظم به ما بعده ، وإن حمل على معنى أن يعلم لمن العزة انتظم .