الخامسة : قد
يحتمل اللفظ كثيرا من الأسباب السابقة ، وله أمثلة ، منها قوله تعالى :
[ ص: 14 ] وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ( النحل : 15 ) فإن
ابن مالك وغيره من النحويين جعلوه نعتا قصد به مجرد التأكيد .
ولقائل أن يقول : إن ( إلهين ) مثنى والـ ( اثنين ) للتثنية ، فما فائدة الصفة ؟ وفيه وجوه : أحدها : قاله
ابن الخباز : " إن فائدتها توكيد نهي الإشراك بالله سبحانه ، وذلك أن العبرة في النهي عن اتخاذ الإلهين إنما هو لمحض كونهما اثنين فقط ، ولو وصف إلهين بغير ذلك من الصفات كقوله : " لا تتخذوا إلهين عاجزين " لأشعر بأن القادرين يجوز أن يتخذا ، فمعنى التثنية شامل لجميع الصفات ، فسبحان من دقت حكمته في كل شيء .
ونظير هذا ما قال
الأخفش في قوله :
فإن كانتا اثنتين ( النساء : 176 ) .
الثاني : أن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018680إنما نحن وبنو عبد المطلب شيء واحد وتطلق ويراد بها العدد ، نحو : " إنما زيد رجل واحد " ، فالتثنية باعتبارها ، فلو قيل :
لا تتخذوا إلهين فقط لصح في موضوعه أن يكون نهيا عن اتخاذ جنسين آلهة ، وجاز أن يتخذ من نوع واحد أعداد آلهة ; لأنه يطلق عليهم أنهم واحد ، لا سيما وقد
[ ص: 15 ] يتخيل أن الجنس الواحد لا تتضاد مطلوباته ، فيصح ، فلما قال : اثنين بين فيه قبح التعديد للإله ، وأنه منزه عن العددية ، وقد أومأ إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بقوله : وكذا القول في
إنما هو إله واحد فيتبع كل واحد مما يؤكد فيه العدد ; ليدل على أن القصد إليه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " ألا ترى أنك لو قلت : إنما هو إله ولم تصفه بواحد لم يحسن ، وقيل لك : إنك نفيت الإلهية لا الوحدانية .
الثالث : أنه لما كان النهي واقعا على التعدد والاثنينية دون الواحد أتى بلفظ الاثنين ; لأن قولك : " لا تتخذ ثوبين " يحتمل النهي عنهما جميعا ، ويحتمل النهي عن الاقتصار عليهما ، فإذا قلت : " ثوبين اثنين " ، علم المخاطب أنك نهيته عن التعدد والاثنينية دون الواحد ، وأنك إنما أردت منه الاقتصار على ثوب واحد ، فتوجه النفي إلى نفس التعدد والعدد ، فأتى باللفظ الموضوع له الدال عليه ، فكأنه قال : " لا تعدد الآلهة ، ولا تتخذ عددا تعبده ، إنما هو إله واحد " .
الرابع : أن " اتخذ " هي التي تتعدى إلى مفعولين ، ويكون " اثنين " مفعولها الأول ، و " إلهين " مفعولها الثاني ; وأصل الكلام : " لا تتخذوا اثنين إلهين " ، ثم قدم المفعول الثاني على الأول ، ويدل على التقديم والتأخير أن " إلهين " أخص من " اثنين " ، واتخاذ اثنين يقع على ما يجوز وعلى ما لا يجوز ، وأما اتخاذ اثنين إلهين فلا يقع إلا على ما لا يجوز ، وقدم " إلهين " على " اثنين " إذ المقصود بالنهي اتخاذهما إلهين ; فالنهي وقع على معنيين : الآلهة المتخذة ، وعلى هذا فلا بد من ذكر " الاثنين " و " الإلهين " إذ هما مفعولا الاتخاذ .
قال صاحب " البسيط " : " وهذا الوجه هو الجيد ; ليخرج بذلك على التأكيد ، وأما إذا جعل " إلهين " مفعول تتخذوا و " اثنين " صفة ، فإنه أيضا لا يخرج عن الوصف إلى
[ ص: 16 ] التأكيد ; لأنه لا يستفاد من اثنين ما استفيد من إلهين لأن الأول يدل على العدد والجنس ، والثاني على مجرد الاثنينية .
قال : وهذا الحكم في قوله تعالى :
من كل زوجين اثنين ( هود : 40 ) في دخول ( اثنين ) في حد الوصف ، إلا أن من قرأ بتنوين " كل " ، فإنه حذف المضاف إليه ، وجعل التنوين عوضا عنه ، و ( زوجين ) مفعول ( احمل ) ( هود : 40 ) أو ( فاسلك ) ، و ( اثنين ) ( المؤمنون : 27 ) نعت ، و ( من ) يحتمل أنه متعلق بفعل الأمر ، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف ; لكونه حالا من نكرة تقدم عليها ، والتقدير : احمل أو اسلك فيها زوجين اثنين من كل صنف .
ومن قرأ بإضافة " كل " احتمل وجهين : أحدهما : أن تجعل ( اثنين ) المفعول ، والجار والمجرور متعلق بفعل الأمر المحذوف كما تقدم .
والثاني : جعل ( من ) زائدة على رأي
الأخفش ، و ( كل ) هي المفعول و ( اثنين ) صفة .
الخامس : أنه بدل ، وينوى بالأول الطرح ، واختاره النيلي في " شرح الحاجبية " ، قال : لما فيه من حسم مادة التأويل .
ونظير السؤال في الآية قوله تعالى :
فإن كانتا اثنتين ( النساء : 176 ) فإن
مروان بن سعيد المهلبي سأل
أبا الحسن الأخفش فقال : ما الفائدة في هذا الخبر ؟ أراد
مروان أن لفظ كانتا تفيد التثنية ، فما فائدة تفسيره الضمير المسمى باثنتين ، مع أنه لا يجوز " فإن كانتا ثلاثا " ولا فوق ذلك ، فلم يفصل الخبر الاسم في شئ ؟ فأجاب
أبو الحسن بأنه أفاد العدد المحض مجردا عن الصفة ، أي : قد كان يجوز
[ ص: 17 ] أن يقال : فإن كانتا صغيرتين فلهما كذا ، أو كبيرتين فلهما كذا ، أو صالحتين ، أو غير ذلك من الصفات ، فلما قال اثنتين أفهم أن فرض الثلثين للأختين تعلق بمجرد كونهما اثنتين فقط ، على أي صفة ، وهي فائدة لا تحصل من ضمير المثنى ، ومعناه أنهم كانوا في الجاهلية يورثون البنين دون البنات ، وكانوا يقولون : لا نورث إلا من يحمل الكل وينكئ العدو .
فلما جاء الإسلام بتوريث البنات أعلمت الآية أن العبرة في أحد الثلثين من الميراث منوط بوجود اثنتين من الأخوات من غير اعتبار أمر زائد على العدد .
قال
الحريري : ولقد أبدع
مروان في استنباطه وسؤاله ، وأحسن
أبو الحسن في كشف إشكاله .
ولقد نقل
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب في " أماليه " هذا الجواب عن
أبي علي الفارسي - وقد بينا أنه من كلام
الأخفش - ثم اعترض عليه بأن اللفظ وإن كان صالحا لإطلاقه على المثنى ، مجردا عن الصفات لا يصح إطلاقه خبرا دالا على التجريد من الصفات ، وإنما يعنى باللفظ ذاته الموضوعة له ; ألا ترى أنك إذا قلت : " جاءني رجل " لا يفهم إلا ذات ، من غير أن يدل على تجريد عن مرض أو جنون أو عقل ، فكذلك " اثنتين " لا تدل إلا على مسمى " اثنتين " فقط ، فلم يستفد منه شيء زائد على المستفاد من ضمير التثنية ثم لو سلم صحة إطلاق اللفظ كذلك فلا يصح هاهنا ; إذ لو صح لجاز أن يقال : " فإن كانتا على أي صفة حصل " ولو قيل ذلك لم يصح ، لأن تثنية الضمير في كانتا عائد
[ ص: 18 ] على الكلالة ، والكلالة تكون واحدا واثنين وجماعة ، فإذا أخبر باثنتين حصلت به فائدة .
ثم لما كان الضمير الذي في " كانتا " العائد على الكلالة هو في معنى اثنين صح أن تثنيه ; لأن تثنيته فرع عن الإخبار باثنين ; إذ لولاه لم يصح أنه لم تستفد التثنية إلا من اثنين .
وقد أورد على ذلك اعتراض آخر ; وهو أن هذه الآية مماثلة لقوله تعالى :
يوصيكم الله في أولادكم ( النساء : 11 ) ، ثم قال : ( فإن كن نساء ) ( النساء : 11 ) ( وإن كانت واحدة ) ( النساء : 11 ) ولو كان على ما ذكرتم لوجب أن يصح إطلاق الأولاد على الواحد كما في الكلالة ، وإلا لكان الضمير لغير مذكور .
والجواب بشيء يشمل الجميع ; وهو أن الضمير قد يعود على الشيء باعتبار المعنى الذي سيق إليه ونسب إلى صاحبه ; فإذا قلت : إذا جاءك رجال ، فإن كان واحدا فافعل به كذا ، وإن كان اثنين فكذا ; صح إعادة الضمير باعتبار المعنيين ; لأن المقصود الجائي ، وكأنك قلت : وإن كان الجائي من الرجال ; لأنه علم من قولك : " إذا جاءك " والآية سيقت لبيان الوارثين الأولاد ; فكأنه قيل : " فإن كان الوارث من الأولاد " ، لأنه المعنى الذي سيق له الكلام ، فقد دخلت " الاثنان " باعتبار هذا المعنى .
ويجوز أن تبقى الآية الأولى على ما ذكرنا ويختص هذا الجواب بهذه .
قلت : وفي هذه الآية ثلاثة أجوبة أخر : أحدها : أنه كلام محمول على المعنى ; أي : " فإن كان من ترك اثنتين " ، وهذا مقيد
[ ص: 19 ] فأضمره على ما بعد ، و " من " يسوغ معها ذكر الاثنين ; لأنه لفظ مفرد يعبر به عن الواحد والاثنين والجمع ; فإذا وقع الضمير موقع " من " جرى مجراها في جواز الإخبار عنها بالاثنين .
الثاني : أن يكون من الأشياء التي جاءت على أصولها المرفوضة كقوله تعالى :
استحوذ عليهم الشيطان ( المجادلة : 19 ) وذلك أن حكم الأعداد فيما دون العشرة أن تضاف إلى المعدود ; كثلاثة رجال ، وأربعة أبواب ، فكان القياس أن يقول : اثنين رجل ، وواحد رجل ; ولكنهم رفضوا ذلك ; لأنك تجد لفظة تجمع العدد والمعدود ، فتغنيك عن إضافة أحدهما إلى الآخر وهو قولك : رجلان ورجل ، وليس كذلك لأنك تجد ما فوق الاثنين ; ألا ترى أنك إذا قلت : ثلاثة ، لم يعلم المعدود ما هو ؟ وإذا قلت : رجال ، لم يعلم عددهم ما هو ؟ فأنت مضطر إلى ذكر العدد والمعدود ; فلذلك قيل : كان الرجال ثلاثة ، ولم يقل : كان الرجلان اثنين ، ولا الرجلان كانا اثنين ، فإذا استعمل شيء من ذلك كان استعمالا للشيء المرفوض ; كقوله :
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
( فإن قيل ) : كيف يحمل القرآن عليه ، وإنما هو في الشعر ؟ ( قيل ) : إنا وجدنا في القرآن أشياء جاءت على الأصول المرفوضة كـ " استحوذ " ونظائرها .
الثالث : أن المراد " فإن كانتا اثنتين فصاعدا " ، فعبر بالأدنى عنه وعما فوقه ، قاله
ابن [ ص: 20 ] الضائع النحوي .
قلت : ونظائرها قوله تعالى :
فإن لم يكونا رجلين ( البقرة : 282 ) فإن الرجولية المثناة فهمت من الضمير ; بدليل
واستشهدوا شهيدين من رجالكم ( البقرة : 282 ) فالظاهر أن قوله : " رجلين " حال لا خبر ، فكأن المعنى : " فإن لم يوجدا حال كونهما رجلين " ومثله قوله تعالى :
إني وضعتها أنثى ( آل عمران : 36 ) فإن الأنوثة فهمت من قوله : ( وضعتها ) .
وأورد بعضهم السؤال في الأول ; فقال : الضمير في ( يكونا ) للرجلين ; لأن ( الشهيدين ) قيدا بأنهما من الرجال ; فكأن الكلام : " فإن لم يكن الرجلان رجلين " وهذا محال .
وأجاب بعضهم بما أجاب به
الأخفش في آية المواريث : إن الخبر هنا أفاد العدد المجرد عن الصفة .
وهذا ضعيف ; إذ وضع فيه " الرجلين " موضع " الاثنين " وهو تجوز بعيد ، والذي ذكره
الفارسي المجرد منهما ، الرجولية أو الأنوثية أو غيرها من الصفات ; فكيف يكون لفظ موضوع لصفة ما دالا على نفيها ؟ ! على أن في جواب
الفارسي هناك نظرا ; فإنه لم يزد على أن جعل نفس السؤال جوابا ، كأنه قيل : لم ذكر العدد وهو متضمن للضمير ؟ فقال : لأنه يفيد العدد المجرد ، فلم يزد الألفاظ تجردا .
قال : وأما من أجاب بأن رجلين منصوب على الحال المبينة ، و " كان " تامة فهو أظرف من الأول ، فإنه سئل عن وجه النظم ، وأسلوب البلاغة ، ونفي ما لا يليق بها من الحشو ، فأجاب بالإعراب ، ولم يجب عن السؤال بشيء ; والذي يرد عليه وهو خبر يرد عليه وهو حال ، وما زادنا إلا التكلف في جعله حالا .
والذي يظهر في جواب السؤال هو أن " شهيدين " لما صح أن يطلق على المرأتين بمعنى " شخصين شهيدين " قيده بقوله تعالى :
من رجالكم ( البقرة : 282 ) ثم أعاد الضمير في قوله
[ ص: 21 ] تعالى : ( فإن لم يكونا ) على " الشهيدين المطلقين " وكان عوده عليهما أبلغ ; ليكون نفي الصفة عنهما كما كان إثباتها لهما ، فيكون الشرط موجبا ونفيا على الشاهدين المطلقين ; لأن قوله : ( من رجالكم ) كالشرط ; كأنه قال : " إن كانا رجلين " وفي النظم على هذا الأسلوب من الارتباط وجري الكلام على نسق واحد ما لا خفاء به .
وأما في آية المواريث ; فالظاهر أن الضمير وضع موضع الظاهر اختصارا لبيان المعنى ; بدليل أنه لم يتقدمه ما يدل عليه لفظا ، فكأنه قال : " فإن كان الوارث اثنين " ثم وضع ضمير الاثنين موضع الوارث الذي هو جنس ، لما كان المراد به منه " الاثنان " وأيضا فإن الإخبار عن الوارث - وإن كان جمعا - باثنين ففيه تفاوت ما ; لكونه مفرد اللفظ ، فكان الأليق بحسن النظم وضع المضمر موضع الظاهر ، ثم يجري الخبر على من حدث عنه - وهو الوارث - فيجري الكلام في طريقه مع الإيجاز في وضع المضمر موضع الظاهر ، والسلامة من تفاوت اللفظ في الإخبار عن لفظ مفرد بمثنى ونظير هذا مما وقع فيه اسم موضع غيره إيجازا ، ثم جرى الكلام مجراه في الحديث عمن هو له ، وإن لم يذكر قوله تعالى :
وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ( الأعراف : 4 ) فعاد هذا الضمير والخبر على أهل القرية الذين أقيمت القرية في الذكر مقامهم ، فجرى الكلام مجراه ، مع حصول الإيجاز في وضع القرية موضع أهلها ، وفهم المعنى بغير كلفة ، وهذه الغاية في البيان يقصر عن مداها بيان الإنسان .
ومنها قوله تعالى :
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ( الحاقة : 13 ) قال
ابن [ ص: 22 ] عمرون : لما فهم منها التأكيد ظن بعضهم أنها ليست بصفة ، وليس بجيد ; لأنها دلالة على بعض أحوال الذات ، وليس في ( واحدة ) دلالة على نفخ ، فدل على أنها ليست تأكيدا ، انتهى .
وفي فائدة ( واحدة ) خمسة أقوال : أحدها : التوكيد ، مثل قولهم : " أمس الدابر " .
الثاني : وصفها ليصح أن تقوم مقام الفاعل ; لأنها مصدر والمصدر لا يقوم مقام الفاعل إلا إذا وصف .
ورد بأن تحديدها بتاء التأنيث مصحح ; لقيامها مقام الفاعل .
الثالث : أن الوحدة لم تعلم من " نفخة " إلا ضمنا وتبعا ; لأن قولك : " نفخة " يفهم منه أمران : النفخ والوحدة ، فليست " نفخة " موضوعة للوحدة ; فلذلك صح وصفها .
الرابع : وصفه النفخة بواحدة ; لأجل توهم الكثرة ، كقوله تعالى :
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( إبراهيم : 34 ) فالنعمة في اللفظ واحدة ، وقد علق عدم الإحصاء بعدها .
الخامس : أتى بالوحدة ليدل على أن النفخة لا اختلاف في حقيقتها ; فهي واحدة بالنوع كقوله :
وما أمرنا إلا واحدة ( القمر : 50 ) أي : لا اختلاف في حقيقته .
ومنها قوله تعالى : (
وإلهكم إله واحد ) ( البقرة : 163 ) قيل : ما فائدة ( إله ) ؟ وهلا جاء "
وإلهكم واحد " وهو أوجز ؟ قيل : لو قال : "
وإلهكم واحد " لكان ظاهره إخبارا عن كونه واحدا في إلهيته ، يعني لا إله
[ ص: 23 ] غيره ، ولم يكن إخبارا عن توحده في ذاته ، بخلاف ما إذا كرر ذكر الإله ، والآية إنما سيقت لإثبات أحديته في ذاته ، ونفي ما يقوله النصارى : إنه إله واحد ، والأقانيم ثلاثة ; أي : الأصول ، كما أن زيدا واحد وأعضاؤه متعددة ، فلما قال : إله واحد دل على أحدية الذات والصفة .
ولقائل أن يقول : قوله : واحد يحتمل الأحدية في الذات والأحدية في الصفات ، سواء ذكر الإله أو لا ، فلا يتم الجواب .
ومنهما قوله تعالى :
ومناة الثالثة الأخرى ( النجم : 20 ) ومعلوم بقوله : الثالثة أنها الأخرى وفائدته التأكيد ، ومثله على رأي
الفارسي وأنه أهلك عادا الأولى .
( النجم : 50 ) وأما قوله :
فخر عليهم السقف من فوقهم ( النحل : 26 ) قيل : بمعنى عن ، أي : خر عن كفرهم بالله ، كما تقول : اشتكى فلان عن دواء شربه ; أي : من أجل كفرهم ، أو بمعنى اللام ; أي : فخر لهم .
وقيل : لأن العرب لا تستعمل لفظة " على " في مثل هذا الموضع إلا في الشر والأمر المكروه ; تقول : خربت على فلان ضيعته ، كقوله :
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ( البقرة : 102 )
ويقولون على الله الكذب ( آل عمران : 78 )
أتقولون على الله ما لا تعلمون ( الأعراف : 28 ) وقيل : لأنه يقال : سقط عليه موضع كذا ، إذا كان يملكه ، وإن لم يكن من فوقه بل تحته ، فدل قوله تعالى :
من فوقهم ( النحل : 26 ) على الفوقية الحقيقية ، وما أحسن هذه المقابلة بالفوقية بما تقدم من قوله :
فأتى الله بنيانهم من القواعد ( النحل : 26 ) كما تقول : أخذ برجله فسقط على رأسه .