الرابع : أن يستدل بالفعل لشيئين وهو في الحقيقة لأحدهما ; فيضمر للآخر فعل يناسبه ; كقوله تعالى :
والذين تبوءوا الدار والإيمان ( الحشر : 9 ) أي : واعتقدوا الإيمان .
وقوله تعالى :
سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( الفرقان : 12 ) أي : وشموا لها زفيرا .
وقوله تعالى :
لهدمت صوامع وبيع وصلوات والصلوات لا تهدم ; فالتقدير : ولتركت صلوات .
وقوله :
يطوف عليهم ولدان مخلدون ، فالفاكهة ولحم الطير والحور العين لا تطوف ، وإنما يطاف بها .
وأما قوله تعالى :
فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، فنقل
ابن فارس عن
البصريين أن الواو بمعنى مع ; أي : شركائكم ، كما يقال : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ; أي : مع فصيلها .
وقال الآخرون : أجمعوا أمركم وادعوا شهداءكم ; اعتبارا بقوله تعالى :
وادعوا من استطعتم .
واعلم أن تقدير فعل محذوف للثاني ليصح العطف هو قول
الفارسي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء وجماعة من
البصريين والكوفيين لتعذر العطف ، وذهب
أبو عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي واليزيدي وغيرهم إلى أن ذلك من عطف المفردات ، وتضمين العامل معنى ينتظم المعطوف والمعطوف عليه
[ ص: 197 ] جميعا ; فيقدر آثروا الدار والإيمان ، ويبقى النظر في أنه : أيهما أولى ؟ ترجيح الإضمار ، أو التضمين ؟ واختار
الشيخ أبو حيان تفصيلا حسنا وهو : إن كان العامل الأول تصح نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة كان الثاني محمولا على الإضمار ; لأنه أكثر من التضمين ; نحو " يجدع الله أنفه وعينيه " أي : ويفقأ عينيه ، فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة ; وإن كان لا يصح فيه ذلك كان العامل مضمنا معنى ما يصح نسبته إليه ; لأنه لا يمكن الإضمار ; كقولهم : علفتها تبنا وماء باردا وجعل
ابن مالك من هذا القبيل قوله تعالى :
اسكن أنت وزوجك الجنة ( البقرة : 35 ) قال : لأن فعل أمر المخاطب لا يعمل في الظاهر ، فهو على معنى : اسكن أنت ولتسكن زوجك ; لأن شرط المعطوف أن يكون صالحا ; لأن يعمل فيه ما عمل في المعطوف عليه ، وهذا متعذر هنا ; لأنه لا يقال : " اسكن زوجك " .
ومنه قوله تعالى :
لا تضار والدة بولدها ولا مولود ( البقرة : 233 ) ولا يصح أن يكون " مولود " معطوفا على " والدة " لأجل تاء المضارعة ، أو للأمر ; فالواجب في ذلك أن تقدر مرفوعا بمقدر من جنس المذكور ; أي : ولا يضار مولود له .
وقوله تعالى :
والطير ( سبأ : 10 ) قال
الفراء : التقدير : " وسخرنا له الطير " عطفا على قوله : ( فضلا ) وقيل : هو مفعول معه ، ومن رفعه فقيل على المضمر في ( أوبي ) وجاز ذلك لطول الكلام بقوله : ( معه ) وقيل : بإضمار فعل ، أي : ولتؤوب معه الطير .