حذف الخبر نحو :
أكلها دائم وظلها ( الرعد : 35 ) أي : وظلها دائم .
وقوله في سورة ص بعد ذكر من اقتص ذكره من الأنبياء ، فقال :
هذا ذكر ( ص : 49 ) ثم لما ذكر مصيرهم إلى الجنة وما أعد لهم فيها من النعيم قال :
هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا ( ص : 55 - 56 - 57 )
[ ص: 211 ] قد أشارت الآية إلى مآل أمر الطاغين ، ومنه يفهم الخبر .
وقوله :
أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ( الزمر : 22 ) أي : أهذا خير أمن جعل صدره ضيقا حرجا ، وقسا قلبه ، فحذف بدليل قوله :
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( الزمر : 22 ) .
وقوله تعالى :
قالوا لا ضير ( الشعراء : 50 ) .
ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ( سبأ : 51 ) .
وقوله :
والسارق والسارقة فاقطعوا ( المائدة : 38 ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : الخبر محذوف ، أي : فيما أتلوه السارق والسارقة ، وجاء فاقطعوا جملة أخرى .
وكذا قوله :
الزانية والزاني ( النور : 2 ) فيما نقص لكم .
وقال غيره : السارق مبتدأ ، " فاقطعوا " خبره ; وجاز ذلك ; لأن الاسم عام ; فإنه لا يريد به سارقا مخصوصا ; فصار كأسماء الشرط ; تدخل الفاء في خبرها لعمومها ، وإنما قدر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ذلك لجعل الخبر أمرا ، وإذا ثبت الإضمار فالفاء داخلة في موضعها تربط بين الجملتين ، ومما يدل على أنه على الإضمار إجماع القراء على الرفع ; مع أن الأمر الاختياري فيه النصب ، قال : وقد قرأ ناس بالنصب ; ارتكانا للوجه القوي في العربية ، ولكن أبت العامة إلا الرفع ، وكذا قال في قوله تعالى :
مثل الجنة التي وعد المتقون ( الرعد : 35 ) مثل ،
[ ص: 212 ] هنا خبر مبتدأ محذوف ، أي : فيما نقص عليكم مثل الجنة ، وكذا قال أيضا ، في قوله تعالى :
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ( النساء : 16 ) إنه على الإضمار .
وقد رد بأنه أي ضرورة تدعو إليه هنا ؟ فإنه إنما صرنا إليه في السارق ونحوه لتقديره دخول الفاء في الخبر ، فاحتيج للإضمار حتى تكون الفاء على بابها في الربط ; وأما هذا فقد وصل بفعل هو بمنزلة : الذي يأتيك فله درهم .
وأجاب
الصفار بأن الذي حمله على هذا أن الأمر دائر مع الضرورة كيف كان ; لأنه إذا أضمر فقد تكلف كما قلت ، وإن لم يضمر كان الاسم مرفوعا وبعده الأمر ، فهو قليل بالنظر إلى " للذين يأتيانها " فكيفما عمل لم يخل من قبح .
وإن قدر منصوبا ، وجاء القرآن بالألف على لغة من يقول : " الزيدان " في جميع الأحوال وقع أيضا في محذور آخر ; فلهذا قدره هذا التقدير ; لأن الإضمار مع الرفع يتكافآن .
وقوله :
إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ( فصلت : 41 ) ، الخبر محذوف أي : يعذبون ، ويجوز أن يكون الخبر
أولئك ينادون من مكان بعيد ( فصلت : 44 ) .
وقوله :
لولا أنتم لكنا مؤمنين ( سبأ : 31 ) فأنتم مبتدأ والخبر محذوف ; أي : حاضرون ، وهو لازم الحذف هنا .
[ ص: 213 ] وقوله تعالى :
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( المائدة : 5 ) أي : حل لكم كذلك .
وأما قوله تعالى :
وقالت اليهود عزير ابن الله ( التوبة : 30 ) أما على قراءة التنوين فلا حذف ; لأنه يجعله مبتدأ ، و " ابن الله " خبر ; حكاية عن مقالة اليهود ، وأما على قراءة من لم ينون ; فقيل : إنه صفة ، والخبر محذوف ، أي :
عزير ابن الله إلهنا ، وقيل : بل المبتدأ محذوف ، أي : إلهنا
عزير ، وابن صفة .
ورد بوجهين : أحدهما : أنه لا يطابق
وقالت النصارى المسيح ابن الله ( التوبة : 30 ) .
والثاني : أنه يلزم عليه أن يكون التكذيب ليس عائدا إلى البنوة ، فكذب لأن صدق الخبر وكذبه راجع إلى نسبة الخبر لا إلى الصفة ، فلو قيل : زيد القائم فقيه ، فكذب انصرف التكذيب لإسناد فقهه ; لا لوصفه بالقائم .
وفيه نظر ; لأن الصفة ليست إنشاء فهي خبر ، إلا أنها غير تامة الإفادة ، فيصح تكذيبها ، والأولى تقويته ، وأن يقال : الصفة والإضافة ونحوهما في المسند إليه لواحق بصورة الإفراد ; أي : يريد أن يصوره بهيئة خاصة ، ويحكم عليه كذلك ، لكن لا سبيل إلى كذبها ، مع أنها تصورت ، فالوجه أن يقال : إن كذب الصفة بإسناد مسندها إلى معدوم الثبوت ، ونظير هذه المسألة في الفقه ما لو قال : والله لا أشرب ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه .
وقال بعضهم : ( عزير ابن الله ) ( التوبة : 30 ) خبر الجملة ، أي : حكى فيه لفظهم ، أي : قالوا : هذه العبارة القبيحة ; وحينئذ فلا يقدر خبر ولا مبتدأ .
[ ص: 214 ] وقيل : " ابن الله " خبر ، وحذف التنوين من " عزير " للعجمة والعلمية .
وقيل : حذف تنوينه لالتقاء الساكنين ; لأن الصفة مع الموصوف كشيء واحد كقراءة :
قل هو الله أحد الله الصمد ( الإخلاص : 1 - 2 ) على إرادة التنوين ، بل هنا أوضح ; لأنه في جملة واحدة .
وقيل : " ابن الله " نعت ولا محذوف ، وكأن الله تعالى حكى أنهم ذكروا هذا اللفظ إنكارا عليهم إلا أن فيه بعدا ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه قال : إن قلت : وضعته العرب لتحكي به ما كان كلاما لا قولا ، وأيضا إنه لا يطابق قوله :
وقالت النصارى المسيح ابن الله ( التوبة : 30 ) والظاهر أنه خبر والقولان منقولان .
والصحيح في هذه القراءة أنه ليس الغرض إلا أن اليهود قد بلغوا في رسوخ الاعتقاد في هذا الشيء إلى أن يذكرون هذا النكر ، كما تقول في قوم تغالوا في تعظيم صاحبهم : أراهم اعتقدوا فيه أمرا عظيما ثابتا ، يقولون : زيد الأمير .
ما يحتمل الأمرين قوله تعالى :
فصبر جميل ( يوسف : 18 ) يحتمل حذف الخبر ، أي : أجمل ، أو حذف المبتدأ ، أي : فأمري صبر جميل ، وهذا أولى لوجود قرينة حالية - هي قيام الصبر به - دالة على المحذوف ، وعدم قرينة حالية أو مقالية تدل على خصوص الخبر ، وأن الكلام مسوق للإخبار بحصول الصبر له واتصافه به ، وحذف المبتدأ يحصل ذلك دون حذف الخبر ; لأن معناه أن الصبر الجميل أجمل ممن ; لأن المتكلم متلبس به .
وكذلك يقوله من لم يكن وصفا له ; ولأن الصبر مصدر ، والمصادر معناها الإخبار ; فإذا حمل على حذف المبتدأ فقد أجري على أصل معناه ; من استعماله خبرا وإذا حمل على حذف الخبر فقد أخرج عن أصل معناه .
[ ص: 215 ] ومثاله قوله :
طاعة معروفة ( النور : 53 ) أي : أمثل ، أو أولى لكم من هذا ، أو أمركم الذي يطلب منكم .
ومثله قوله في :
سورة أنزلناها ( النور : 1 ) إما أن يقدر : فيما أوحينا إليك سورة ، أو هذه سورة .
وقد يحذفان جملة ، كقوله تعالى :
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ( الطلاق : 4 ) الآية .