حذف الأجوبة ويكثر ذلك في جواب لو ولولا ; كقوله تعالى :
ولو ترى إذ وقفوا على النار ( الأنعام : 27 ) .
وقوله :
ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ( الأنعام : 30 ) .
وقوله :
ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ( سبأ : 31 ) .
وقوله :
ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم ( الأنفال : 50 ) .
وقوله :
ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ( السجدة : 12 ) .
وقوله :
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ( الأنعام : 93 ) ، تقديره في هذه المواضع : " لرأيت عجبا أو أمرا عظيما ، ولرأيت سوء منقلبهم ، أو لرأيت سوء حالهم " .
والسر في حذفه في هذه المواضع أنها لما ربطت إحدى الجملتين بالأخرى حتى صارا
[ ص: 254 ] جملة واحدة ، أوجب ذلك لها فضلا وطولا ; فخفف بالحذف خصوصا مع الدلالة على ذلك .
قالوا : وحذف الجواب يقع في مواقع التفخيم والتعظيم ، ويجوز حذفه لعلم المخاطب ، وإنما يحذف لقصد المبالغة ; لأن السامع مع أقصى تخيله يذهب منه الذهن كل مذهب ، ولو صرح بالجواب لوقف الذهن عند المصرح به فلا يكون له ذلك الوقع ، ومن ثم لا يحسن تقدير الجواب مخصوصا إلا بعد العلم بالسياق ، كما قدر بعض النحويين في قوله تعالى :
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الرعد : 31 ) الآية ، فقال : تقديره : " لكان هذا القرآن " .
وحكاه
أبو عمرو الزاهد في " الياقوتة " عن
ثعلب nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد ، وهو مردود ; لأن الآية ما سيقت لتفضيل القرآن ، بل سيقت في معرض ذم الكفار ; بدليل قوله قبلها :
إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ( الرعد : 30 )
وبعدها :
أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( الرعد : 31 ) ، فلو قدر الخبر " لما آمنوا به " لكان أشد .
ونقل
الشيخ محيي الدين النووي في كتاب " رءوس المسائل " كون الجواب : " كان هذا القرآن " عن الأكثرين .
وفيه ما ذكرت .
وقيل : تقديره : لو قضيت أنه لا يقرأ القرآن على الجبال إلا سارت ورأوا ذلك ، لما آمنوا .
وقيل : جواب " لو " مقدم معناه : يكفرون بالرحمن ، ولو أن قرآنا سيرت به الجبال .
وهذا قول
الفراء .
[ ص: 255 ] وقوله تعالى :
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ( لقمان : 27 ) جواب لو محذوف ، والتقدير : لنفدت هذه الأشياء وما نفدت كلمات الله ، ويحتمل أن يكون " ما نفدت " هو الجواب مبالغة في نفي النفاد ; لأنه إذا كان نفي النفاد لازما على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما والبحر مدادا لكان لزومها على تقدير عدمها أولى .
وقوله تعالى :
ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ( النساء : 113 ) ، فإنه قد قيل : ظاهره نفي وجود الهم منهم بإضلاله ، وهو خلاف الواقع ; فإنهم هموا وردوا القول .
وقيل : قوله : ( لهمت ) ليس جواب " لو " بل هو كلام تقدم على " لو " ، وجوابها مقول على طريق القسم ، وجواب لو محذوف تقديره :
لهمت طائفة منهم أن يضلوك ( النساء : 113 ) لولا فضل الله عليك لأضلوك .
وقوله :
ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ( يوسف : 24 ) ، أي : همت بمخالطته ، وجواب " لولا " محذوف ; أي : لولا أن رأى برهان ربه لخالطها .
وقيل : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ; والوقف على هذا
ولقد همت به ( يوسف : 24 ) ، والمعنى أنه لم يهم بها .
ذكره
أبو البقاء ، والأول
nindex.php?page=showalam&ids=14423للزمخشري .
[ ص: 256 ] ولا يجوز تقديم جواب " لو " عليها ; لأنه في حكم الشرط ، وللشرط صدر الكلام .
وقوله :
وإنا إن شاء الله لمهتدون ( البقرة : 70 ) ، جواب الشرط محذوف ; يدل عليه قوله : ( إنا لمهتدون ) ; أي : إن شاء الله اهتدينا ، وقد توسط الشرط هنا بين جزأي الجملة بالجزاء ; لأن التقديم على الشرط ، فيكون دليل الجواب متقدما على الشرط ; والذي حسن تقديم الشرط عليه الاهتمام بتعليق الهداية بمشيئة الله تعالى .
وقوله تعالى :
لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ( الأنبياء : 39 ) ، تقديره : لما استعجلوا فقالوا : متى هذا الوعد ؟ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : تقديره : " لعلموا صدق الوعد " ; لأنهم قالوا : متى هذا الوعد ؟ وجعل الله الساعة موعدهم ، فقال تعالى :
بل تأتيهم بغتة ( الأنبياء : 40 ) .
وقيل : تقديره : " لما أقاموا على كفرهم ولندموا أو تابوا " .
وقوله تعالى في سورة التكاثر :
لو تعلمون علم اليقين ( التكاثر : 5 ) ، تقديره : لما ألهاكم التكاثر " .
وقيل : تقديره : لشغلكم ذلك عما أنتم فيه .
وقيل : لرجعتم عن كفركم ، أو لتحققتم مصداق ما تحذرونه .
وقوله :
قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( البقرة : 170 ) أي : لا يتبعونهم .
وقوله :
إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ( المؤمنون : 114 ) تقديره : " لآمنتم " أو " لما كفرتم " أو " لزهدتم في الدنيا " أو " لتأهبتم للقائنا " .
ونحوه :
وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ( القصص : 64 ) ، أي : يهتدون في الدنيا لما رأوا العذاب في الآخرة ، أو لما اتبعوهم .
[ ص: 257 ] وقوله :
لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ( هود : 80 ) ، قال
محمد بن إسحاق : معناه : لو أن لي قوة لحلت بينكم وبين المعصية .
وقوله تعالى :
ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ( سبأ : 51 ) ، أي : رأيت ما يعتبر به عبرة عظيمة .
وقوله تعالى عقب آية اللعان :
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ( النور : 10 ) ، قال
الواحدي : قال
الفراء : جواب " لو " محذوف ; لأنه معلوم المعنى ، وكل ما علم فإن العرب تكتفي بترك جوابه ; ألا ترى أن الرجل يشتم الرجل فيقول المشتوم : أما والله لولا أبوك . . .
فيعلم أنك تريد : لشتمتك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : تأويله - والله أعلم - : لهلكتم ، أو لم يبق لكم باقية ، أو لم يصلح أمركم ، ونحوه من الوعيد الموجع ، فحذف لأنه لا يشكل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى لنال الكاذب منكم أمر عظيم ; وهذا أجود مما قدره
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد .
وكذلك " لولا " التي بعدها في قوله تعالى :
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم ( النور : 20 ) ، جوابها محذوف ; وقدره بعضهم في الأولى : لافتضح فاعل ذلك ، وفي الثانية : لعجل عذاب فاعل ذلك ، وسوغ الحذف طول الكلام بالمعطوف ، والطول داع للحذف .
وقوله :
ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ( القصص : 47 ) ، جوابها محذوف ، أي : لولا احتجاجهم بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة .
[ ص: 258 ] وقال
مقاتل : تقديره : " لأصابتهم مصيبة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : لولا ذلك لم يحتج إلى إرسال الرسول ومواترة الاحتجاج .
وقوله :
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( القصص : 10 ) ، أي : لأبدت .
وقوله تعالى :
قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( الإسراء : 100 ) ، تقديره : لو تملكون تملكون ، فأضمر " تملك " الأولى على شريطة التفسير ، وأبدل من الضمير المتصل ، الذي هو " الواو " ضمير منفصل ، وهو " أنتم " لسقوط ما يتصل به من الكلام فـ " أنتم " فاعل الفعل المضمر ، و " تملكون " تفسيره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هذا ما يقتضيه الإعراب ; فأما ما يقتضيه علم البيان ، فهو أن أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص ، وأن الناس هم المختصون بالشح المتتابع ; وذلك لأن الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر .
ومن حذف الجواب قوله تعالى :
وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ( يس : 45 ) ، أي : أعرضوا ; بدليل قوله بعده :
إلا كانوا عنها معرضين ( يس : 46 ) .
وقوله في قصة
إبراهيم في الحجر :
فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون ( الحجر : 52 ) ، وفي غيرها من السور :
قالوا سلاما ( الفرقان : 63 ) ،
قال سلام ( الذاريات : 25 ) ، قال
الكرماني : لأن هذه السورة متأخرة عن الأولى ، فاكتفى بما في هذه ، ولو ثبت تعدد الوقائع لنزلت على واقعتين .
[ ص: 259 ] وكقوله تعالى :
إذا السماء انشقت ( الانشقاق : 1 ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : في حذف الجواب ، وتقديره مصرح به في سورتي التكوير والانفطار ، وهو قوله :
علمت نفس ( التكوير : 14 ) .
وقال في :
والسماء ذات البروج ( البروج : 1 ) : الجواب محذوف ; أي : أنهم ملعونون ، يدل عليه قوله :
قتل أصحاب الأخدود ( البروج : 4 ) .
وكقوله تعالى :
حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ( الزمر : 73 ) ، أي : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها ، والواو واو حال ، وفي هذا ما حكي أنه اجتمع
أبو علي الفارسي مع
أبي عبد الله الحسين بن خالويه في مجلس
سيف الدولة ، فسئل
ابن خالويه عن قوله تعالى :
حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ( الزمر : 70 ) في النار بغير واو ، وفي الجنة بالواو ؟ فقال
ابن خالويه : هذه الواو تسمى واو الثمانية ; لأن العرب لا تعطف الثمانية إلا بالواو .
قال : فنظر
سيف الدولة إلى
أبي علي وقال : أحق هذا ؟ فقال
أبو علي : لا أقول كما قال ; إنما تركت الواو في النار لأنها مغلقة ، وكان مجيئهم شرطا في فتحها ; فقوله : ( فتحت ) فيه معنى الشرط ، وأما قوله : ( وفتحت ) في الجنة ، فهذه واو الحال ، كأنه قال : جاءوها وهي مفتحة الأبواب ; أو هذه حالها .
وهذا الذي قاله
أبو علي هو الصواب ، ويشهد له أمران : أحدهما : أن العادة مطردة شاهدة في إهانة المعذبين بالسجون من إغلاقها حتى يردوا عليها ، وإكرام المنعمين بإعداد فتح الأبواب لهم مبادرة واهتماما .
والثاني : النظير في قوله :
جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ( ص : 50 ) .
وللنحويين في الآية ثلاثة أقوال : أحدها : أن الواو زائدة ، والجواب قوله " فتحت " وهؤلاء قسمان : منهم من جعل هذه الواو مع أنها زائدة واو الثمانية ، ومنهم من لم يثبتها .
[ ص: 260 ] والثاني : أن الجواب محذوف عطف عليه قوله : ( وفتحت ) كأنه قال : " حتى إذا جاءوها جاءوها وفتحت " قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره : وفي هذا حذف المعطوف وإبقاء المعطوف عليه .
والثالث : أن الجواب محذوف آخر الكلام ; كأنه قال بعد الفراغ : استقروا ، أو خلدوا ، أو استووا ، مما يقتضه المقام ، وليس فيه حذف معطوف .
ويحتمل أن يكون التقدير : إذا جاءوها أذن لهم في دخولها ، وفتحت أبوابها ، المجيء ليس سببا مباشرا للفتح ، بل الإذن في الدخول هو السبب في ذلك .
وكذلك قوله تعالى :
وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا أي : رحمهم ثم تاب عليهم ، وهذا التأويل أحسن من القول بزيادة ( ثم ) .
وحذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف سائغ كقوله تعالى :
فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا ( الفرقان : 36 ) ، التقدير والله أعلم : فذهبا فبلغا فكذبا فدمرناهم ; لأن المعنى يرشد إلى ذلك .
وكذا قوله تعالى :
ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ( البقرة : 54 ) ، أي : فامتثلتم ، أو فعلتم فتاب عليكم .
وقوله :
فلما أسلما وتله للجبين ( الصافات : 103 ) ، أي : رحما وسعدا وتله .
وابن عطية يجعل التقدير : فلما أسلما أسلما ; وهو مشكل .
وقوله :
واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا ( الأنبياء : 97 ) ، المعنى : حتى إذا كان ذلك ندم الذين كفروا ولم ينفعهم إيمانهم ; لأنه من الآيات والأشراط .
وقد يجيء في الكلام شرطان : ويحذف جواب أحدهما اكتفاء بالآخر ; كقوله تعالى :
[ ص: 261 ] وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام ( الواقعة : 90 - 91 ) فجعل
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه الجواب لـ " أما " وأجرى ( إن كان من أصحاب اليمين ) في الاعتراض به مجرى الظرف ; لأن الشرط وإن كان جملة ; فإنه لما لم يقم بنفسه جرى مجرى الجزء الواحد ، ولو كان عنده جملة لما جاز الفصل به بين " أما " وجوابها ; لأنه لا يجوز ، أما زيد فمنطلق ، وذهب
الأخفش إلى أن الفاء جواب لهما .
ونظيره :
ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم ( الفتح : 25 ) فقوله :
لعذبنا ( الفتح : 25 ) جواب لـ " لولا " ، ولـ " لو " جميعا .
واختار
ابن مالك قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن الجواب لـ " أما " واستغنى به عن جواب " إن " ; لأن الجواب الأول الشرطين المتواليين في قوله :
إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ( هود : 34 ) ونظائره .
فإذا كان أول الشرطين " أما " كانت أحق بذلك لوجهين : أحدهما : أن جوابها إذا انفردت لا يحذف أصلا ، وجواب غيرها إذا انفرد يحذف كثيرا لدليل ، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد .
والثاني : أن " أما " قد التزم معها حذف فعل الشرط ، وقامت هي مقامه ، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافا وإن ليست كذلك .
انتهى .
والظاهر أنه لا حذف في الآية الكريمة ، وإنما الشرط الثاني وجوابه جواب الأول ، والمحذوف إنما هو أحد الفاءين .
[ ص: 262 ] وقال
الفارسي في قوله تعالى :
قل اللهم مالك الملك ( آل عمران : 26 ) الآية : إنه حذف منه : " أعزنا ولا تذلنا " .
وقال في قوله تعالى :
فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ( النساء : 62 ) ، تقديره : " فكيف تجدونهم مسرورين أو محزونين ؟ فـ " كيف " في موضع نصب بهذا الفعل المضمر ، وهذا الفعل المضمر قد سد مسد جواب إذا .