حذف الجملة
هي أقسام : قسم هي مسببة عن المذكور ، وقسم هي سبب له ، وقسم خارج عنها :
فالأول : كقوله تعالى :
ليحق الحق ويبطل الباطل ( الأنفال : 8 ) فإن اللام الداخلة على الفعل لا بد لها من متعلق ، يكون سببا عن مدخول اللام ، فلما لم يوجد لها متعلق في الظاهر وجب تقديره ضرورة ، فيقدر : فعل ما فعل ليحق الحق .
والثاني : كقوله تعالى :
فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ( البقرة : 60 ) فإن الفاء إنما تدخل على شيء مسبب عن شيء ، ولا مسبب إلا له سبب ، فإذا وجد المسبب ولا سبب له ظاهرا أوجب أن يقدر ضرورة ، فيقدر : فضربه فانفجر .
والثالث : كقوله تعالى :
فنعم الماهدون ( الذاريات : 48 ) أي : نحن هم أو هم نحن .
وقد يكون المحذوف أكثر من جملة ؛ كقوله تعالى : فأرسلون يوسف . . . ( يوسف : 45 - 46 ) الآية ، فإن التقدير : " فأرسلون إلى
يوسف لأستعبره الرؤيا ، فأرسلوه إليه لذلك ، فجاء فقال له : يا
يوسف " وإنما قلنا : إن هذا الكل محذوف ؛ لأن قوله : أرسلون ( يوسف : 45 ) يدل لا محالة على المرسل إليه فثبت أن " إلى
يوسف " محذوف . ثم إنه لما طلب الإرسال إلى
يوسف عند العجز الحاصل للمعبرين عن تعبير رؤيا الملك دل ذلك على أن المقصود من طلب الإرسال إليه استعباره الرؤيا التي عجزوا عن تعبيرها ، ومنه قوله تعالى :
اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم . . . ( النمل : 28 ) الآية ، فأعقب بقوله حكاية عنها :
قالت ياأيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ( النمل : 29 )
[ ص: 265 ] تقديره : فأخذ الكتاب فألقاه إليهم ، فرأته
بلقيس وقرأته ، وقالت يا أيها الملأ ( النمل : 29 ) .
وقوله :
يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ( مريم : 12 ) حذف يطول . تقديره : فلما ولد
يحيى ونشأ وترعرع قلنا : يا يحيى خذ الكتاب بقوة ( مريم : 12 ) .
ومنه قوله تعالى حكاية عن
قوم موسى :
لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري ( طه : 91 ، 92 ، 93 ) .
وقوله :
فلما رآه مستقرا عنده ( النمل : 40 ) إلى قوله :
نكروا لها عرشها ( النمل : 41 ) .
وقوله :
أفمن شرح الله صدره للإسلام ( الزمر : 22 ) أي : كمن قسا قلبه ترك على ظلمه وكفره ، ودل على المحذوف قوله : فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( الزمر : 22 ) .
ومن حذف الجملة قوله تعالى :
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ( البقرة : 30 ) قيل : المعنى : جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا ، وإلا فمن أين علم الملائكة أنهم يفسدون ؟ وباقي الكلام يدل على المحذوف .
وقوله :
أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( الحجرات : 12 ) قال
الفارسي : المعنى : فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة
واتقوا الله ( الحجرات : 12 ) عطف على قوله : " فاكرهوا " وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه ؛ كقوله تعالى :
فانفجرت ( البقرة : 60 )
[ ص: 266 ] أي : فضرب فانفجرت . فقوله : " كرهتموه " كلام مستأنف ، وإنما دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الجواب ؛ لأن قوله :
أيحب أحدكم ( الحجرات : 12 ) كأنهم قالوا في جوابه : لا ، فقال : فكرهتموه . أي : فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12772ابن الشجري : وهذا التقدير بعيد ؛ لأنه قدر المحذوف موصولا ، وهو " ما " المصدرية ، وحذف الموصول وإبقاء صلته ضعيف ؛ وإنما التقدير : فهذا كرهتموه ، والجملة المقدرة المحذوفة ابتدائية لا أمرية ، والمعنى : فهذا كرهتموه ، والغيبة مثله ، وإنما قدرها أمرية ليعطف عليها الجملة الأمرية في قوله : واتقوا الله ( الحجرات : 12 ) .