وهو أنواع :
أحدها
قلب الإسناد
وهو أن يشمل الإسناد إلى شيء والمراد غيره ، كقوله تعالى :
ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة ( القصص : 76 ) إن لم تجعل الباء للتعدية ؛ لأن ظاهره أن المفاتح تنوء بالعصبة ، ومعناه أن العصبة تنوء بالمفاتح لثقلها ، فأسند " لتنوء " إلى " المفاتح " ، والمراد إسناده إلى العصبة ؛ لأن الباء للحال ، والعصبة مستصحبة المفاتح ، لا تستصحبها المفاتح ، وفائدته المبالغة ، بجعل المفاتح كأنها مستتبعة للعصبة القوية بثقلها .
وقيل : لا قلب فيه ، والمراد - والله أعلم - أن المفاتح تنوء بالعصبة أي : تميلها من ثقلها ، وقد ذكر هذا
الفراء وغيره .
وقال
ابن عصفور : والصحيح ما ذهب إليه
الفارسي أنها بالنقل ولا قلب ، والفعل غير متعد فصار متعديا بالباء ؛ لأن " ناء " غير متعد ، يقال : ناء النجم ؛ أي : نهض ، ويقال : ناء أي : مال للسقوط ، فإذا نقلت الفعل بالباء قلت : نؤت به ، أي : أنهضته وأملته للسقوط ، فقوله :
لتنوء بالعصبة ( القصص : 76 ) أي : تميلها المفاتح للسقوط لثقلها .
[ ص: 360 ] قال : وإنما كان مذهب
الفارسي أصح ؛ لأن نقل الفعل غير المتعدي بالباء مقيس ، والقلب غير مقيس ، فحمل الآية على ما هو مقيس أولى .
ومنه قوله تعالى :
خلق الإنسان من عجل ( الأنبياء : 37 ) أي : خلق العجل من الإنسان ، قاله ثعلب وابن السكيت .
قال الزجاج : ويدل على ذلك قوله تعالى :
وكان الإنسان عجولا ( الإسراء : 11 ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : والأحسن أن يكون تقديره : خلق الإنسان من العجل ؛ لكثرة فعله إياه ، واعتماده له ، وهو أقوى في المعنى من القلب ؛ لأنه أمر قد اطرد واتسع ، فحمله على القلب يبعد في الصنعة ويضعف المعنى .
ولما خفي هذا على بعضهم قال : إن العجل هاهنا الطين . قال : ولعمري إنه في اللغة كما ذكر ؛ غير أنه ليس هنا إلا نفس العجل ، ألا ترى إلى قوله قبله :
سأريكم آياتي فلا تستعجلون ( الأنبياء : 37 ) ونظيره قوله :
وكان الإنسان عجولا ( الإسراء : 11 )
وخلق الإنسان ضعيفا النساء : 28 ) لأن العجلة ضرب من الضعف لما تؤذن به الضرورة والحاجة .
وقيل في قوله : وجاءت سكرة الموت بالحق ( ق : 19 ) : إنه من المقلوب ، وأنه " وجاءت سكرة الحق بالموت " وهكذا في قراءة أبي بكر .
[ ص: 361 ] مثله : لكل أجل كتاب ( الرعد : 38 ) قال
الفراء : أي لكل أمر كتبه الله أجل مؤجل .
وقيل في قوله :
وإن يردك بخير ( يونس : 107 ) : هو من المقلوب ، أي : يريد بك الخير ، ويقال : أراده بالخير وأراد به الخير .
وجعل
ابن الضائع منه
فتلقى آدم من ربه كلمات ( البقرة : 37 ) قال :
فآدم صلوات الله على نبينا وعليه هو المتلقي للكلمات حقيقة ، ويقرب أن ينسب التلقي للكلمات ؛ لأن من تلقى شيئا أو طلب أن يتلقاه فلقيه كان الآخر أيضا قد طلب ذلك ؛ لأنه قد لقيه ، قال : ولقرب هذا المعنى قرئ بالقلب .
وجعل
الفارسي منه قوله تعالى :
فعميت عليكم ( هود : 28 ) أي : فعميتم عليها .
وقوله :
فاختلط به نبات الأرض ( يونس : 24 ) .
وقوله :
وقد بلغت من الكبر عتيا ( مريم : 8 )
وقد بلغني الكبر ( آل عمران : 40 ) أي : بلغت الكبر .
وقوله :
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ( الجاثية : 23 ) وقوله :
فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ( الشعراء : 77 ) فإن الأصنام لا تعادي ، وإنما المعنى : فإني عدو لهم ،
[ ص: 362 ] مشتق من عدوت الشيء ، إذا جاوزته وخلفته ، وهذا لا يكون إلا فيمن له إرادة ، وأما " عاديته " فمفاعلة لا يكون إلا من اثنين .
وجعل منه بعضهم :
وإنه لحب الخير لشديد ( العاديات : 8 ) أي : إن حبه للخير لشديد .
وقيل : ليس منه ؛ لأن المقصود منه أنه لحب المال لبخيل ، والشدة البخل ، أي : من أجل حبه للمال يبخل .
وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري منه قوله تعالى :
ويوم يعرض الذين كفروا على النار ( الأحقاف : 20 ) كقولك : عرضت الناقة على الحوض ؛ لأن المعروض ليس له اختيار ، وإنما الاختيار للمعروض عليه ، فإنه قد يفعل ويريد ؛ وعلى هذا فلا قلب في الآية ؛ لأن الكفار مقهورون ، فكأنهم لا اختيار لهم ، والنار متصرفة فيهم ، وهو كالمتاع الذي يقرب منه من يعرض عليه ، كما قالوا : عرضت الجارية على البيع .
وقوله :
وحرمنا عليه المراضع من قبل ( القصص : 12 ) ومعلوم أن التحريم لا يقع إلا على المكلف ، فالمعنى : وحرمنا على المراضع أن ترضعه ، ووجه تحريم إرضاعه عليهن ألا يقبل إرضاعهن حتى يرد إلى أمه .
وقوله تعالى :
وما يخدعون إلا أنفسهم ( البقرة : 9 ) وقيل : الأصل وما تخدعهم إلا أنفسهم ؛ لأن الأنفس هي المخادعة والمسولة قال تعالى :
بل سولت لكم أنفسكم ( يوسف : 18 ) .
ورد بأن الفاعل في مثل هذا هو المفعول في المعنى ، وأن التغاير في اللفظ فقط ، فعلى هذا يصح إسناد الفعل إلى كل منهما ؛ ولا حاجة إلى القلب .