البحث الثاني في أقسامه
وهي كثيرة :
الأول
الالتفات من التكلم إلى الخطاب
ووجهه حث السامع وبعثه على الاستماع ، حيث أقبل المتكلم عليه ، وأنه أعطاه فضل عناية وتخصيص بالمواجهة ؛ كقوله تعالى :
وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ( يس : 22 ) الأصل : " وإليه أرجع " ، فالتفت من التكلم إلى الخطاب ، وفائدته أنه أخرج الكلام في معرض مناصحته لنفسه وهو يريد نصح قومه ، تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريده لنفسه ، ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله .
وأيضا فإن قومه لما أنكروا عليه عبادته لله ، أخرج الكلام معهم بحسب حالهم ، فاحتج عليهم بأنه يقبح منه أنه لا يعبد فاطره ومبدعه ؛ ثم حذرهم بقوله :
وإليه ترجعون ( يس : 22 ) .
لذا جعلوه من الالتفات ، وفيه نظر ؛ لأنه إنما يكون منه إذا كان القصد الإخبار عن نفسه في كلتا الجملتين ، وهاهنا ليس كذلك ؛ لجواز أن يكون أراد بقوله :
وإليه ترجعون ( يس : 22 )
[ ص: 382 ] المخاطبين ؛ ولم يرد نفسه ، ويؤيده ضمير الجمع ، ولو أراد نفسه لقال : " ترجع " .
وأيضا فشرط الالتفات أن يكون في جملتين ، و " فطرني " و " إليه ترجعون " كلام واحد .
وأجيب بأنه لو كان المراد بقوله : ترجعون ( يس : 22 ) ظاهره لما صح الاستفهام الإنكاري ؛ لأن رجوع العبد إلى مولاه ليس بمعنى أن يعيده غير ذلك الراجع ، فالمعنى : كيف أعبد من إليه رجوعي ؛ وإنما ترك " وإليه أرجع " إلى
وإليه ترجعون ( يس : 22 ) لأنه داخل فيهم ، ومع ذلك أفاد فائدة حسنة ، وهي أنه نبههم أنهم مثله في وجوب عبادة من إليه الرجوع ؛ فعلى هذا ، الواو للحال وعلى الأول واو العطف .
ومنه قوله :
رحمة من ربك ( الكهف : 82 ) عدل عن قوله : " رحمة منا " إلى قوله :
رحمة من ربك ( الكهف : 82 ) لما فيه من الإشعار بأن ربوبيته تقتضي رحمته ، وأنه رحيم بعبده ، كقوله :
كلوا من رزق ربكم ( سبأ : 15 ) .
وقوله :
ادعوا ربكم ( الأعراف : 55 )
واعبدوا ربكم ( الحج : 77 ) وهو كثير .
وقوله :
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ( الفتح : 1 - 2 ) ولم يقل : " لنغفر لك " تعليقا لهذه المغفرة التامة باسمه المتضمن لسائر أسمائه الحسنى ، ولهذا علق به النصر فقال :
وينصرك الله نصرا عزيزا ( الفتح : 3 ) .