وضع الطلب موضع الخبر
كقوله تعالى :
قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ( مريم : 75 ) .
وقوله :
قل أنفقوا طوعا أو كرها ( التوبة : 53 ) .
وقوله :
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( البقرة : 125 ) .
وقوله :
فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ياموسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك ( النمل : 8 - 9 - 10 ) فقوله : ( وألق ) معطوف على قوله : أن بورك فـ ( ألق ) وإن كان إنشاء لفظا لكنه خبر معنى ، والمعنى : " فلما جاءها قيل : بورك من في النار ، وقيل : ألق " .
والموجب لهذا قول النحاة : إن " أن " هذه مفسرة لا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول ، وإذا قيل : كتبت إليه أن ارجع ، وناداني أن قم ، كله بمنزلة : قلت له : ارجع ، وقال لي : قم . كذا قاله صاحب " المفتاح " .
وما ذكره من أن " بورك " خبرية لفظا ومعنى ممنوع ؛ لجواز أن يكون دعاء وهو إنشاء ؛ وقد ذكر هذا التقدير
الفارسي وأبو البقاء ، فتكون الجملتان متفقتين في معنى الإنشاء ، فتكون مثل
لا تعبدون إلا الله ( البقرة : 83 ) .
[ ص: 413 ] وقوله :
ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ( الأنعام : 27 ) إلى قوله :
وإنهم لكاذبون ( الأنعام : 28 ) فإنه يقال : كيف ورد التمني على التكذيب وهو إنشاء ؟
وأجاب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أنه ضمن معنى العدة ، وأجاب غيره بأنه محمول على المعنى من الشرط والخبر ، كأنه قيل : إن رددنا لم نكذب وآمنا ، والشرط خبر ، فصح ورود التكذيب عليه .
وقوله :
اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ( العنكبوت : 12 ) أي : ونحن حاملون . بدليل قوله : إنهم لكاذبون ( العنكبوت : 12 ) والكذب إنما يرد على الخبر .
وقوله :
أسمع بهم وأبصر ( مريم : 38 ) تقديره : ما أسمعهم وأبصرهم ؛ لأن الله تعالى لم يتعجب منهم ولكنه دل المكلفين على أن هؤلاء قد نزلوا منزلة من يتعجب منه .
ومما يدل على كونه ليس أمرا حقيقيا ظهور الفاعل الذي هو الجار والمجرور في الأول ، وفعل الأمر لا يبرز فاعله أبدا .
ووجه التجوز في هذا الأسلوب أن الأمر شأنه أن يكون ما فيه داعية للأمر ؛ وليس الخبر كذلك ، فإذا عبر عن الخبر بلفظ الأمر أشعر ذلك بالداعية ، فيكون ثبوته وصدقه أقرب ، هذا بالنسبة لكلام العرب لا لكلام الله ؛ إذ يستحيل في حقه سبحانه الداعية للفعل .
بقي الكلام في أيهما أبلغ ؟ هذا القسم أو الذي قبله ؟ .
قال
الكواشي في قوله تعالى :
فليمدد له الرحمن مدا ( مريم : 75 ) الأمر بمعنى الخبر لتضمنه اللزوم ؛ نحو : إن زرتنا فلنكرمك ، يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم .
[ ص: 414 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قوله تعالى :
لا تعبدون إلا الله ( البقرة : 83 ) ورود الخبر ، والمراد الأمر أو النهي أبلغ من صريح الأمر والنهي ؛ كأنه سورع فيه إلى الامتثال والخبر عنه .
وقال
النووي في " شرح
مسلم " : في باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح : وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ، ولا يسوم على سوم أخيه هكذا هو في جميع النسخ : ( ولا يسوم ) بالواو و : ( لا يخطب ) بالرفع ، وكلاهما لفظه لفظ الخبر ، والمراد به النهي ، وهو أبلغ في النهي ؛ لأن خبر الشارع لا يتصور وقوع خلافه ، والنهي قد يقع مخالفته ، فكأن المعنى : عاملوا هذا النهي معاملة خبر الحتم ، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018705ولا تسأل المرأة طلاق أختها يجوز في " تسأل " الرفع والكسر ، والأول على الخبر الذي يراد به النهي ، وهو المناسب لقوله قبله : " لا يخطب ولا يسوم " والثاني على النهي الحقيقي . انتهى .