وضع النداء موضع التعجب
كقوله تعالى :
ياحسرة على العباد ( يس : 30 ) قال
الفراء : معناه : فيا لها من حسرة ، والحسرة في اللغة أشد الندم ؛ لأن القلب يبقى حسيرا .
وحكى
أبو الحسين بن خالويه في كتاب " المبتدأ " عن البصريين أن هذه من أصعب مسألة في القرآن ؛ لأن الحسرة لا تنادى وإنما تنادى الأشخاص ؛ لأن فائدته التنبيه ، ولكن المعنى على التعجب ؛ كقوله : يا عجبا لم فعلت !
ياحسرتا على ما فرطت ( الزمر : 56 ) وهو أبلغ من قولك : العجب . قيل : فكأن التقدير : يا عجبا احضر ، يا حسرة احضري .
[ ص: 415 ] وقرأ
الحسن : " يا حسرة العباد " .
ومنهم من قال : الأصل : " يا حسرتاه " ثم أسقطوا الهاء تخفيفا ، ولهذا قرأ
عاصم : " يا أسفاه على يوسف " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني في كتاب " الفسر " معناه : أنه لو كانت الحسرة مما يصح نداؤه لكان هذا وقتها .
وأما قوله تعالى : يا بشرى ( يوسف : 19 ) فقالوا : معنى النداء فيما لا يعقل تنبيه المخاطب وتوكيد القصة ، فإذا قلت : يا عجبا ، فكأنك قلت : اعجبوا ، فكأنه قال : يا قوم أبشروا .
قال
أبو الفتح في " الخاطريات " : وقد توضع الجملة من المبتدأ والخبر موضع المفعول به ، كقوله تعالى :
ولكم فيها منافع ( غافر : 80 ) بعد قوله :
الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ( غافر : 79 ) المعنى : ولتنتفعوا بها عطفا على قوله :
لتركبوا منها ( غافر : 79 ) وعلى هذا قال :
ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ( غافر : 80 ) وكذلك قوله :
ومنها تأكلون ( غافر : 79 ) أي : ولتأكلوا منها . ولذلك أتى :
وعليها وعلى الفلك تحملون ( غافر : 80 ) فعطف الجملة من الفعل ومرفوعه على المفعول له .
ونظيره قوله تعالى :
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ( المؤمنون : 52 ) أي : ولأني ربكم فاتقون ، فوضع الجملة من المبتدأ والخبر موضع المفعول له .
وبهذا يبطل تعلق من تعلق على ثبوته في قوله تعالى :
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ( التوبة : 3 )
[ ص: 416 ] وقوله : إن هذا ليس من مواضع الابتداء لجواز تقدير : وأذان بأن الله بريء ، وبأن رسوله كذلك .