الثالث
لا بد فيها من ثلاثة أشياء أصول :
مستعار ، ومستعار منه وهو اللفظ ، ومستعار له وهو المعنى ، ففي قوله تعالى :
واشتعل الرأس شيبا ( مريم : 4 ) المستعار الاشتعال ، والمستعار منه النار ، والمستعار له الشيب ، والجامع بين المستعار منه والمستعار له مشابهة ضوء النهار لبياض الشيب .
وفائدة ذلك وحكمته وصف ما هو أخفى بالنسبة إلى ما هو أظهر ، وأصل الكلام أن يقال : واشتعل شيب الرأس ، وإنما قلب للمبالغة ؛ لأنه يستفاد منه عموم الشيب لجميع الرأس ، ولو جاء الكلام على وجهه لم يفد ذلك العموم ، ولا يخفى أنه أبلغ من قولك : كثر الشيب في الرأس ، وإن كان ذلك حقيقة المعنى ، والحق أن المعنى يعار أولا ، ثم بواسطته يعار اللفظ ، ولا تحسن الاستعارة إلا حيث كان الشبه مقررا بينهما ظاهرا ، وإلا فلا بد من التصريح بالشبه ، فلو قلت : رأيت نخلة أو خامة وأنت تريد مؤمنا ؛ إشارة إلى قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018710مثل المؤمن كمثل النخلة أو الخامة ، لكنت كالملغز .
ومن أحسن الاستعارة قوله تعالى :
والصبح إذا تنفس ( التكوير : 18 ) وحقيقته " بدأ انتشاره " و " تنفس " أبلغ ؛ فإن ظهور الأنوار في المشرق من أشعة الشمس قليلا قليلا بينه وبين إخراج النفس مشاركة شديدة .
[ ص: 486 ] وقوله :
الليل نسلخ منه النهار ( يس : 37 ) لأن انسلاخ الشيء عن الشيء أن يبرأ منه ويزول عنه حالا فحالا ، كذلك انفصال الليل عن النهار ؛ والانسلاخ أبلغ من الانفصال لما فيه من زيادة البيان .
وقوله :
أحاط بهم سرادقها ( الكهف : 29 ) .
سنسمه على الخرطوم ( القلم : 16 ) .
وقوله :
كأنهم حمر مستنفرة ( المدثر : 50 ) ويقولون للرجل المذموم : إنما هو حمار .
وقوله :
والتفت الساق بالساق ( القيامة : 29 ) .
أئنا لمردودون في الحافرة ( النازعات : 10 ) أي : في الخلق الجديد .
بل ران على قلوبهم ( المطففين : 14 ) .
خلقنا الإنسان في كبد ( البلد : 4 ) . أي : ضيق وشدة .
لنسفعن بالناصية ( العلق : 15 ) .
وامرأته حمالة الحطب ( المسد : 4 ) .
وقوله :
فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ( الدخان : 29 ) .
ويتخطف الناس من حولهم ( العنكبوت : 67 ) .
ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( الشعراء : 225 ) .
ألا إنما طائرهم عند الله ( الأعراف : 131 ) والمراد حفظهم وما يحصل لهم .
وقوله تعالى :
أقم الصلاة ( الإسراء : 78 ) أي : أتمها كما أمرت .
إن ربك أحاط بالناس ( الإسراء : 60 ) أي : عصمك منهم ، رواه
شعبة عن
أبي رجاء عن
الحسن .
[ ص: 487 ] وإنه في أم الكتاب ( الزخرف : 4 ) .
وعنده مفاتح الغيب ( الأنعام : 59 ) .
ولما سكت عن موسى الغضب ( الأعراف : 154 ) .
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ( الإسراء : 12 ) .
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ( الأنبياء : 18 ) فالدمغ والقذف مستعار .
فضربنا على آذانهم ( الكهف : 11 ) يريد : لا إحساس بها من غير صمم .
وقوله :
فاصدع بما تؤمر ( الحجر : 94 ) فإنه أبلغ من " بلغ " وإن كان بمعناه ؛ لأن تأثير الصدع أبلغ من تأثير التبليغ ، فقد لا يؤثر التبليغ ، والصدع يؤثر جزما .