[ ص: 5 ] مقابلة الجمع بالجمع
تارة يقتضي
مقابلة كل فرد من هذا بكل فرد من هذا ، كقوله تعالى : (
فاستبقوا الخيرات ) ( المائدة : 48 ) ، (
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ، ( البقرة : 43 ) (
حافظوا على الصلوات ) ( البقرة : 238 ) فإن الصلاة والزكاة في معنى الجمع فيقتضي اللفظ ضرورة أن كل واحد مأمور بجميع الصلوات ، وبالاستباق إلى كل خير كما يقال : لبس القوم ثيابهم ، وركبوا دوابهم .
وقوله تعالى : (
وأعتدت لهن متكأ ) ( يوسف : 31 ) أي لكل واحدة منهن . وقوله تعالى : (
أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) ( فاطر : 37 ) لأنه لا يجوز أن يتذكر جميع المخاطبين بهذا القول في مدة وعمر واحد .
وقوله : (
إنها ترمي بشرر كالقصر ) ( المرسلات : 32 ) أي كل واحدة من هذا الشرر كالقصر ، والقصر البيت من أدم ، كان يضرب على الماء إذا نزلوا به ، ولا يجوز أن يكون الشرر كله كقصر واحد ; لأنه مناف للوعيد فإن المعنى تعظيم الشرر ، أي كل واحد من هذا الشرر كالقصر ، ويؤكده قوله بعده : (
كأنه جمالة صفر ) ( المرسلات : 33 ) فشبه بالجماعة ، أي فكل واحدة من هذا الشرر كالجمل ، فجماعته ، إذ الجمالات الصفر كذلك الأول ، كل شررة منه كالقصر قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني .
وقوله : (
واستغشوا ثيابهم ) ( نوح : 7 ) وقوله :
[ ص: 6 ] (
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) ( البقرة : 285 ) فإن كل واحد من المؤمنين آمن بكل واحد من الملائكة والكتب والرسل .
وقوله : (
حرمت عليكم أمهاتكم ) ( النساء : 23 ) الآية ، فإنه لم يحرم على كل واحد من المخاطبين جميع أمهات المخاطبين ، وإنما حرم على كل واحد أمه وبنته .
وكذلك قوله : (
ولكم نصف ما ترك أزواجكم ) ( النساء : 12 ) فإنه ليس لجميع الأزواج نصف ما ترك جميع النساء ، وإنما لكل واحد نصف ما تركت زوجه فقط .
وكذا قوله : (
يوصيكم الله في أولادكم ) ( النساء : 11 ) .
وقوله : (
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) ( الطور : 21 ) إنما معناه : اتبع كل واحد ذريته ، وليس معناه أن كل واحد من الذرية اتبع كل واحد من الآباء . وقوله : (
والوالدات يرضعن أولادهن ) ( البقرة : 233 ) أي كل واحدة ترضع ولدها .
وكقوله تعالى : (
فاقتلوا المشركين ) ( التوبة : 5 ) فإن مقابلة الجمع أفادت المكنة لكل واحد من المسلمين قتل من وجد من المشركين . وقوله : (
يوم تشهد عليهم ألسنتهم ) ( النور : 24 ) .
وأما قوله تعالى : (
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) ( المائدة : 6 ) فذكر ( المرافق ) بلفظ الجمع ، و ( الكعبين ) بلفظ التثنية ; لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد ، ولكل يد مرفق فصحت المقابلة . ولو قيل إلى الكعاب فهم منه أن الواجب . . . . . ، فإن لكل رجل كعبا واحدا فذكر الكعبين بلفظ التثنية ليتناول الكعبين من كل رجل . فإن قيل : فعلى هذا يلزم ألا يجب إلا غسل يد واحدة ورجل واحدة . قلنا : صدنا عنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع .
[ ص: 7 ] وتارة يقتضي
مقابلة ثبوت الجمع لكل واحد من آحاد المحكوم عليه كقوله تعالى : (
فاجلدوهم ثمانين جلدة ) ( النور : 4 ) . وجعل منه الشيخ
عز الدين : (
وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) ( البقرة : 25 ) .
وتارة يحتمل الأمرين فيفتقر ذلك إلى دليل يعين أحدهما .
أما
مقابلة الجمع بالمفرد فالغالب أنه لا يقتضي تعميم المفرد وقد يقتضيه بحسب عموم الجمع المقابل له كما في قوله تعالى : (
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) ( البقرة : 184 ) المعنى كل واحد لكل يوم طعام مسكين . وقوله تعالى : (
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) ( النور : 4 ) إنما هو على كل واحد منهم ذلك