القاعدة الثالثة .
ينقسم باعتبار المعطوف إلى أقسام : عطف على اللفظ ، وعطف على الموضع ، وعطف على التوهم .
فالأول : أن يكون باعتبار عمل موجود في المعطوف عليه ، فهو العطف على اللفظ ، نحو : ليس زيد بقائم ولا ذاهب ، وهو الأصل .
[ ص: 97 ] والثاني : أن يكون باعتبار عمل لم يوجد في المعطوف ، إلا أنه مقدر في الوجود لوجود طالبه ، فهو العطف على الموضع ، نحو : ليس زيد بقائم ولا ذاهبا ، بنصب " ذاهبا " عطفا على موضع قائم لأنه خبر ليس .
ومن أمثلته قوله تعالى : (
وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ) ( هود : 60 ) بأن يكون " يوم القيامة " معطوفا على محل " هذه " ، ذكره
الفارسي
وقوله : (
من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) ( الأعراف : 186 ) في قراءة الجزم إنه بالعطف على محل ( فلا هادي له ) .
وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وأبو البقاء منه قوله تعالى : (
لينذر الذين ظلموا وبشرى ) ( الأحقاف : 12 ) إن بشرى في محل نصب بالعطف على محل " لينذر " لأنه مفعول له .
وغلطا في ذلك ، لأن شرطه في ذلك أن يكون الموضع بحق الأصالة ، والمحل ليس هنا كذلك ، لأن الأصل هو الجر في المفعول له ، وإنما النصب ناشئ عن إسقاط الخافض .
وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أيضا في قوله تعالى : (
وجعل الليل سكنا والشمس ) ( الأنعام : 96 ) كون الشمس معطوفا على محل الليل .
والثالث : أن يكون باعتبار عمل لم يوجد هو ولا طالبه ، هو العطف على التوهم ،
[ ص: 98 ] نحو : ليس زيد قائما ولا ذاهب ، بجر ذاهب ، وهو معطوف على خبر ليس المنصوب باعتبار جره بالباء لو دخلت عليه ، فالجر على مفقود وعامله ، وهو الباء مفقود أيضا ، إلا أنه متوهم الوجود لكثرة دخوله في خبر ليس ، فلما توهم وجوده صح اعتبار مثله ، وهذا قليل في كلامهم .
وقيل : إنه لم يجئ إلا في الشعر ، ولكن جوزه
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه في القرآن ، وعليه خرجا قوله تعالى : (
فأصدق وأكن من الصالحين ) ( المنافقون : 10 ) كأنه قيل : " أصدق وأكن " . وقيل : هو من العطف على الموضع ; أي محل " أصدق " .
والتحقيق قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هو على توهم أن الفاء لم ينطق بها ، واعلم أن بعضهم قد شنع القول بهذا في القرآن على النحويين ، وقال : كيف يجوز التوهم في القرآن ؟ ! وهذا جهل منه بمرادهم ، فإنه ليس المراد بالتوهم الغلط ، بل تنزيل الموجود منه منزلة المعدوم ، كالفاء في قوله تعالى : ( فأصدق ) ليبنى على ذلك ما يقصد من الإعراب
وجعل منه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قوله تعالى : (
ومن وراء إسحاق يعقوب ) ( هود : 71 ) في من فتح الباء ، كأنه قيل : " ووهبنا له
إسحاق ومن وراء
إسحاق يعقوب " على طريقة :
. . . ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب . . . . . . . . . . . . .
[ ص: 99 ] وقد يجيء قسم آخر ، وهو العطف على المعنى كقوله تعالى : (
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) ( البقرة : 258 ) ثم قال : (
أو كالذي ) ( البقرة : 259 ) عطف المجرور بالكاف على المجرور بـ ( إلى ) حملا على المعنى لأن قوله : " إلى الذي " في معنى أرأيت كالذي .
وقال بعضهم في قوله تعالى : (
وحفظا من كل شيطان ) ( الصافات : 7 ) أنه عطف على معنى : (
إنا زينا السماء الدنيا ) ( الصافات : 6 ) وهو : إنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء الدنيا . وفي قوله تعالى : (
لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى ) ( غافر : 36 - 37 ) على قراءة النصب إنه عطف معنى (
لعلي أبلغ ) وهو " لعلي أن أبلغ " ، فإن خبر لعل يقترن بـ ( أن ) كثيرا .