احتمال الفعل للجزم والنصب .
فمنه قوله تعالى : (
ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) ( الأعراف : 19 ) يحتمل أن يكون ما بعد الفاء مجزوما ، ويحتمل أن يكون منصوبا ، وإذا كان مجزوما كان داخلا في النهي ، فيكون قد نهى عن الظلم ، كما نهى عن قربان الشجرة ، فكأنه قال : " لا تقربا هذه الشجرة فلا تكونا من الظالمين " .
ومنه قوله تعالى : (
ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق ) ( البقرة : 42 ) فإنه يحتمل أن يكون " تكتموا " مجزوما ، فهو مشترك مع الأول في حرف النهي ، والتقدير : لا تلبسوا ولا تكتموا ، أي لا تفعلوا هذا ولا هذا ، كما في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، بالجزم . أي لا تفعل واحدا من هذين ، ويحتمل أن يكون منصوبا ، والتقدير : لا
[ ص: 129 ] تجمعوا بين هذين ويكون مثل " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " ، والمعنى : لا تجمعوا بين هذين الفعلين القبيحين ، كما تقول لمن لقيته : أما كفاك أحدهما حتى جمعت بينهما ! وليس في هذا إباحة أحدهما والأول أظهر .
وقوله : (
ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) ( البقرة : 236 ) أي ما لم يكن أحد الأمرين ، المس أو الغرض المستلزم ، لعدم كل منهما ، أي لا هذا ولا هذا ، فإن وجد أحدهما فعليكم الجناح ، وهو المهر أو نصف المفروض ، و " تفرضوا " مجزوم عطفا على " تمسوهن " . وقيل : نصب ، و " أو " بمعنى " إلا أن " .
والصحيح الأول ، ولا يجوز تقدير " لم " بعد " أو " لفساد المعنى ، إذ يؤول إلى رفع الجناح عند عدم المس مع الفرض وعدمه ، وعند عدم الفرض مع المس وعدمه ، وليس كذلك ، ولا يقدر فيما انتفى أحدهما ، للزوم نفي الجناح عند نفي أحدهما ووجود الآخر ، فلا بد من المحافظة على أحدهما على الإبهام وانسحاب حكم " لم " عليه .
ونظيره (
ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) ( الإنسان : 24 ) . وقوله : (
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ) ( البقرة : 188 ) . وقوله تعالى : (
إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) ( آل عمران : 149 ) والوجه الجزم ، ويجوز النصب . وقوله تعالى : (
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) ( البقرة : 284 ) الآية . وقوله تعالى : (
ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن ) ( النساء : 19 ) وقوله : (
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) ( النساء : 97 ) .
وقوله : (
فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ) ( النساء : 129 ) . وقوله في آل عمران :
[ ص: 130 ] (
يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) ( الآية : 149 ) .
وقوله في الأعراف : (
ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) ( الآية : 19 ) .
وقوله في الأنفال : (
ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) ( الآية : 27 ) .
وقوله في سورة التوبة : (
وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا ) ( الآية : 50 ) . وقوله : (
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) ( التوبة : 120 ) . وقوله في سورة يونس : (
فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) ( الآية : 88 ) يجوز أن يكون معطوفا على : (
ليضلوا عن سبيلك ) ( يونس : 88 ) فيكون منصوبا ، ويجوز أن يكون منصوبا بالفاء على جواب الدعاء ، وأن يكون مجزوما لأنه دعاء .
وقوله في سورة يوسف : (
اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده ) ( الآية : 9 ) . وقوله : (
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) ( غافر : 82 ) . وقوله في سورة هود : (
ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله ) ( الآية : 1 - 2 ) أي " بأن لا تعبدوا إلا الله " ، فيكون منصوبا ، ويجوز جزمه لأنه نهي .
وقوله : في سورة النحل : (
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم ) ( الآية : 94 ) يجوز عطف " وتذوقوا " على تتخذوا أو " فتزل " قبل دخول الفاء ، فيكون مجزوما .
وقوله في سورة الإسراء : (
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) ( الآية : 23 ) أي بألا تعبدوا أو على نهي . وفيها : (
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) ( الإسراء : 33 ) . وقوله في سورة الكهف : (
إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم ) ( الآية : 20 ) . وقوله في الحج : (
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله ) ( الآية : 28 ) يجوز أن يكون لام كي أو لام الأمر ، وفائدة هذا تظهر في جواز الوقف . وقوله : (
ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق )
[ ص: 131 ] ( الحج : 29 ) فيمن كسر اللامات ، وقوله في النمل : (
ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) ( الآية : 31 ) أي بإن ، أو نهي . وقوله في العنكبوت : (
ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ) ( الآية : 66 ) . هل هي لام كي أو لام الأمر
وفي فاطر : (
أولم يسيروا في الأرض فينظروا ) ( الآية : 44 ) . وفي يس : (
ليأكلوا من ثمره ) ( الآية : 35 ) هل هي لام كي ، أو لام الأمر ؟ وفي المؤمن : (
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ) ( غافر : 82 ) . وفي فصلت : (
تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ) ( الآية : 30 ) . وفي الأحقاف : (
ألا تعبدوا إلا الله ) ( الآية : 21 ) . وفي القتال : (
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ) ( محمد : 10 ) .
ويدل على جواز النصب ظهوره في مثله ، (
فتكون لهم قلوب ) ( الحج : 46 ) . وقوله : (
فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) ( محمد : 53 ) .
وقوله : (
ألا تطغوا في الميزان ) ( الرحمن : 8 ) أي لئلا . أو مجزوم . وقوله : (
إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ) ( الممتحنة : 2 ) . وقوله تعالى : (
هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) ( المرسلات : 35 - 36 ) ، فإن " يعتذرون " داخل مع الأول في النفي عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بدليل قوله : (
هذا يوم لا ينطقون ) ، فإن كان النطق قد نفي عنهم في ذلك اليوم فالاعتذار نطق فينبغي أن يكون منفيا معطوفا على قوله : (
ولا يؤذن لهم ) ( المرسلات : 36 ) ولو حمل على إضمار المبتدأ - أي فهم يعتذرون - لجاز على أن يكون المعنى في " لا ينطقون " أنهم وإن نطقوا فمنطقهم كلا نطق ، لأنه لم يقع الموقع الذي أرادوه ، كقولهم : تكلمت ولم تتكلم .
وقوله : (
فلو أن لنا كرة ) ( الشعراء : 102 ) وعلى الأول يكون هذا قولا في
[ ص: 132 ] أنفسهم من غير نطق . وقوله تعالى : (
ولكن ليطمئن قلبي ) ( البقرة : 260 ) يجوز أن يكون لام كي ، والفعل منصوب ، أو لام الأمر والفعل مجزوم . وقوله : (
أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ) ( الأعراف : 127 ) فالظاهر أنه منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما ، واللام زائدة ومن نصب " ويذرك " عطفه على " ليفسدوا "