[ ص: 250 ] 39 -
عن
تقتضي مجاوزة ما أضيف إليه نحو غيره ، وتعديه عنه ، تقول : أطعمته عن جوع ، أي أزلت عنه الجوع ، ورميت عن القوس ، أي طرحت السهم عنها ، وقولك : أخذت العلم عن فلان ، مجاز ; لأن علمه لم ينتقل عنه ، ووجه المجاز أنك لما تلقيته منه صار كالمنتقل إليك عن محله ، وكذلك قوله تعالى :
فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( النور : 63 ) لأنهم إذا خالفوا أمره بعدوا عنه وتجاوزوه .
قال أبو محمد البصري : " عن " تستعمل أعم من " على " ؛ لأنه يستعمل في الجهات الست ، وكذلك وقع موقع " على " في قوله :
إذا رضيت علي بنو قشير .
ولو قلت : أطعمته على جوع وكسوته على عري لم يصح .
وتجيء للبدل نحو :
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( البقرة : 48 ) .
وللاستعلاء نحو :
ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ( محمد : 38 ) .
وقوله :
إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ( ص : 32 ) أي قدمته عليه .
وقيل : بل هي على بابها أي منصرفا عن ذكر ربي .
وحكى
الرماني عن
أبي عبيدة أن " أحببت " من أحب البعير إحبابا ، إذا برك فلم يقم ، فـ " عن " متعلقة باعتبار معناه التضمين ، أي تثبطت عن ذكر ربي ، وعلى هذا فـ " حب الخير " مفعول لأجله .
[ ص: 251 ] وللتعليل ، نحو :
وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة ( التوبة : 114 ) .
وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ( هود : 53 ) .
وبمعنى " بعد " نحو :
عما قليل ليصبحن نادمين ( المؤمنون : 40 ) .
يحرفون الكلم عن مواضعه ( المائدة : 13 ) بدليل أن في مكان آخر " من بعد مواضعه " .
لتركبن طبقا عن طبق ( الانشقاق : 19 ) .
وبمعنى " من " نحو :
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( الشورى : 25 ) .
أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ( الأحقاف : 16 ) بدليل :
فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ( المائدة : 27 ) .
وبمعنى الباء نحو :
وما ينطق عن الهوى ( النجم : 3 ) وقيل : على حقيقتها أي وما يصدر قوله عن هوى ، وقيل : للمجاوزة لأن نطقه متباعد عن الهوى ومتجاوز عنه .
وفيه نظر ، لأنها إذا كانت بمعنى الباء نفي عنه النطق حال كونه متلبسا بالهوى ، وهو صحيح ، واذا كانت على بابها نفي عنه التعلق حال كونه مجاوزا عن الهوى ، فيلزم أن يكون النطق حال كونه متلبسا بالهوى وهو فاسد .