55 -
كيف
استفهام عن حال الشيء لا عن ذاته ، كما أن " ما " سؤال عن حقيقته ، و " من " عن مشخصاته ، ولهذا لا يجوز أن يقال في " الله " كيف .
وهي مع ذلك منزلة منزلة الظرف ، فإذا قلت : كيف زيد ؟ كان زيد مبتدأ ، و كيف في محل الخبر ، والتقدير : على أي حال زيد .
هذا أصلها في الوضع ، لكن قد تعرض لها معان تفهم من سياق الكلام ، أو من قرينة الحال ، مثل معنى التنبيه والاعتبار وغيرهما .
[ ص: 284 ] وقال بعضهم : لها ثلاثة أوجه .
أحدها : سؤال محض عن حال نحو : كيف زيد ؟
وثانيها : حال لا سؤال معه كقولك : لأكرمنك كيف أنت ، أي على أي حال كنت .
ثالثها معنى التعجب المردود للخلق .
وعلى هذين تفسير قوله تعالى :
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ( البقرة : 28 ) قال
الراغب في تفسيره : كيف هنا استخبار لا استفهام ، والفرق بينهما أن الاستخبار قد يكون تنبيها للمخاطب وتوبيخا ، ولا يقتضي عدم المستخبر ، والاستفهام بخلاف ذلك .
وقال في المفردات : كل ما أخبر الله بلفظ كيف عن نفسه فهو إخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو توبيخ ، نحو :
كيف تكفرون ( البقرة : 28 ) .
كيف يهدي الله قوما ( آل عمران : 86 ) .
كيف يكون للمشركين عهد ( التوبة : 7 ) .
انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( الإسراء : 48 ) ، ( الفرقان : 9 )
فانظروا كيف بدأ الخلق ( العنكبوت : 20 ) .
أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ( العنكبوت : 19 ) .
وقال غيره : قد تأتي للنفي والإنكار كقوله :
كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ( التوبة : 7 )
كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ( آل عمران : 86 ) .
ولتضمنها معنى الجحد شاع أن يقع بعدها إلا ، كقوله :
إلا الذين عاهدتم ( التوبة : 7 ) . وللتوبيخ كقوله :
وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله ( آل عمران : 101 )
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ( البقرة : 28 ) .
[ ص: 285 ] وللتحذير كقوله :
فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ( النمل : 51 ) .
وللتنبيه والاعتبار كقوله :
انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ( الإسراء : 21 ) .
وللتأكيد وتحقيق ما قبلها كقوله :
وانظر إلى العظام كيف ننشزها ( البقرة : 259 ) . وقوله :
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( النساء : 41 ) فإنه توكيد لما تقدم من خبر وتحقيق لما بعده ، على تأويل : إن الله لا يظلم الناس شيئا في الدنيا فكيف في الآخرة !
وللتعظيم والتهويل :
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( النساء : 41 ) أي فكيف حالهم إذا جئنا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018729وقول النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=13لعبد الله بن عمرو : كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس .
وقيل وتجيء مصدرا ، كقوله تعالى :
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( الفرقان : 45 )
فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ( الروم : 50 ) .
وتأتي ظرفا في قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وهي عنده في قوله تعالى :
كيف تكفرون ( البقرة : 28 ) منصوبة على التشبيه بالظرف ، أي في حال تكفرون ، وعلى الحال عند
الأخفش ، أي على حال تكفرون .
وجعل منه بعضهم قوله :
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا ( النساء : 41 ) فإن شئت قدرت بعدها اسما ، وجعلتها خبرا ، أي كيف صنعكم أو حالكم ؟ وإن شئت قدرت بعدها فعلا تقديره : كيف تصنعون ؟
وأثبت بعضهم لها الشرط ، كقوله تعالى :
ينفق كيف يشاء ( المائدة : 64 )
[ ص: 286 ] يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( آل عمران : 6 )
فيبسطه في السماء كيف يشاء ( الروم : 48 ) . وجوابه في ذلك محذوف لدلالة ما قبلها .
ومراد هذا القائل الشرط المعنوي ، وهو إنما يفيد الربط فقط ، أي ربط جملة بأخرى كأداة الشرط ، لا اللفظي ، وإلا لجزم الفعل .
وعن الكوفيين أنها تجزم ، نحو : كيف تكن أكن . وقد يحذف الفعل بعدها قال تعالى : كيف وإن يظهروا عليكم " أي كيف توالونهم .