حرف الميم .
71 -
ما
تكون على اثني عشر وجها : ستة منها أسماء ، وستة حروف .
فالاسمية ضربان : معرفة ونكرة ؛ لأنه إذا حسن موضعها " الذي " فهي معرفة ، أو شيء فهي نكرة ، وإن حسنا معا جاز الأمران كقوله تعالى :
ويغفر ما دون ذلك ( النساء : 48 ) و
هذا ما لدي عتيد ( ق : 23 ) .
والنكرة ضربان : ضرب تلزم الصفة ، وضرب لا تلزمه ، فالذي لا تلزمه الاستفهامية والشرطية والتعجب ، وما عداها تكون منه نكرة ، فلا بد لها من صفة تلزمها .
فالأول من الستة : الأسماء الخبرية وهي الموصولة ، ويستوي فيها التذكير والتأنيث ، والإفراد والتثنية والجمع ، كقوله تعالى :
ما عندكم ينفد وما عند الله باق ( النحل : 96 ) وقوله :
بما أنزل إليك ( البقرة : 4 )
ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض ( النحل : 49 ) .
فإن كان المراد بها المذكر كانت للتذكير ، بمعنى الذي ، وإن كان المراد بها المؤنث كانت للتأنيث بمعنى التي .
وقال
السهيلي : كذا يقول النحويون إنها بمعنى الذي وإن كان المراد بها المؤنث كانت للتأنيث بمعنى التي مطلقا ، وليس كذلك بل بينهما تخالف في المعنى وبعض الأحكام .
أما المعنى فلأن " ما " اسم مبهم في غاية الإبهام ، حتى إنه يقع على المعدوم ، نحو : إن الله عالم بما كان وبما لم يكن .
[ ص: 342 ] وأما في الأحكام فإنها لا تكون نعتا لما قبلها ، ولا منعوتة لأن صلتها تغنيها عن النعت ولا تثنى ولا تجمع . انتهى .
ثم لفظها مفرد ومعناها الجمع ، ويجوز مراعاتها في الضمير .
ونحوه من مراعاة المعنى :
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( يونس : 18 ) ثم قال :
هؤلاء شفعاؤنا ( يونس : 18 ) لما أراد الجمع . وكذلك قوله تعالى :
ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ( النحل : 73 ) .
ومن مراعاة اللفظ :
قل بئسما يأمركم به إيمانكم ( البقرة : 93 ) .
وأصلها أن تكون لغير العاقل كقوله تعالى :
ما عندكم ينفد ( النحل : 96 ) .
وقد تقع على من يعقل عند اختلاطه بما لا يعقل تغليبا ، كقوله تعالى :
أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ( الأعراف : 185 ) . فإنه عبارة عن مطلق الموجودات ، وقوله :
سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ( الحشر : 1 ) ، وقوله :
إنكم وما تعبدون من دون الله ( الأنبياء : 98 ) ، الآية بدليل نزول الآية بعدها مخصصة :
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( الأنبياء : 101 ) .
قالوا : وقد تأتي لأنواع من يعقل ، كقوله تعالى :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء : 3 ) أي الأبكار إن شئتم أو الثيبات .
ولا تكون لأشخاص من يعقل على الصحيح ، لأنها اسم مبهم يقع على جميع الأجناس ، فلا يصح وقوعها إلا على جنس .
ومنهم من جوزه محتجا بقوله تعالى :
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) والمراد آدم . وقوله :
والسماء وما بناها ( الشمس : 5 ) . وقوله :
ولا أنتم عابدون ما أعبد ( الكافرون : 3 ) أي الله .
[ ص: 343 ] فأما الأولى فقيل إنها مصدرية . وقال
السهيلي : بل إنها وردت في معرض التوبيخ على امتناعه من السجود ، ولم يستحق هذا من حيث كان السجود لما يعقل ، ولكن لعلة أخرى ، وهي المعصية والتكبر على ما لم يخلقه ، فكأنه يقول : لم عصيتني وتكبرت على ما خلقته وشرفته ، فلو قال : ما منعك أن تسجد لمن ؟ كان استفهاما مجردا من توبيخ ، ولتوهم أنه وجب السجود له من حيث كان يعقل ، أو لعلة موجودة فيه أو لذاته ، وليس كذلك .
وأما آية السماء ، فلأن القسم تعظيم للمقسم به من حيث ما في خلقها من العظمة والآيات ، فثبت لهذا القسم بالتعظيم كائنا ما كان . وفيه إيحاء إلى قدرته تعالى على إيجاد هذا الأمر العظيم ، بخلاف قوله : " من " لأنه كان يكون للمعنى مقصورا على ذاته دون أفعاله . ومن هذا يظهر غلط من جعلها بتأويل المصدر .
وأما ( ما أعبد ) فهي على بابها ، لأنها واقعة على معبوده عليه السلام على الإطلاق ، لأن الكفار كانوا يظنون أنهم يعبدون الله وهم جاهلون به ، فكأنه قال : أنتم لا تعبدون معبودي .
ووجه آخر ، وهو أنهم كانوا يحسدونه ويقصدون مخالفته كائنا من كان معبوده ، فلا يصح في اللفظ إلا لفظة " ما " لإبهامها ومطابقتها لغرض أو لازدواج الكلام ، لأن معبودهم لا يعقل ، وكرر الفعل على بنية المستقبل حيث أخبر عن نفسه ، إيماء إلى عصمة الله تعالى له عن الزيغ والتبديل ، وكرره بلفظ حين أخبر عنهم بأنهم يعبدون أهواءهم ، ويتبعون شهواتهم بفرض أن يعبدوا اليوم ما لا يعبدونه غدا .
وهاهنا ضابط حسن للفرق بين الخبرية والاستفهامية ، وهو أن " ما " إذا جاءت قبل " ليس " أو " لم " أو " لا " ، أو بعد " إلا " فإنها تكون خبرية كقوله :
ما ليس لي بحق ( المائدة : 116 ) ما لم يعلم ( العلق : 5 ) ما لا تعلمون ( البقرة : 69 ) إلا ما علمتنا ( البقرة : 32 ) ، وشبهه .
[ ص: 344 ] وكذلك إذا جاءت بعد حرف الجر نحو : ربما وعما وفيما ونظائرها ، إلا بعد كاف التشبيه . وربما كانت مصدرا بعد الباء ، نحو : بما كانوا يظلمون ( الأعراف : 162 ) بما كانوا يكذبون ( البقرة : 10 ) بما تعملون ( الفتح : 11 ) .
وإن وقعت بين فعلين سابقهما علم أو دراية أو نظر ، جاز فيها الخبر والاستفهام ، كقوله تعالى :
وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ( البقرة : 33 ) .
والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ( النحل : 13 )
وإنك لتعلم ما نريد ( هود : 79 )
هل علمتم ما فعلتم ( يوسف : 89 ) .
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ( الأحقاف : 9 ) .
ولتنظر نفس ما قدمت ( الحشر : 18 ) .
الثاني : الشرطية ، ولها صدر الكلام ، ويعمل فيها ما بعدها من الفعل ، نحو : ما تصنع أصنع ، وفي التنزيل :
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ( البقرة : 106 ) .
وما تفعلوا من خير يعلمه الله ( البقرة : 197 ) .
وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ( البقرة : 215 ) .
وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ( البقرة : 110 ) .
ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ( فاطر : 2 ) .
فـ " ما " في هذه المواضع في موضع نصب بوقوع الفعل عليها .
الثالث : الاستفهامية بمعنى أي شيء ، ولها صدر الكلام كالشرطية ويسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته ، عن أجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم ، قال تعالى : ما هي ( البقرة : 70 ) و ما لونها ( البقرة : 69 ) ،
وما تلك بيمينك ياموسى ( طه : 17 ) .
قال
الخليل في قوله تعالى :
إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ( العنكبوت : 42 ) " ما " استفهام ، أي : أي شيء تدعون من دون الله ؟ .
[ ص: 345 ] ومثال مجيئها لصفات من يعلم قوله تعالى :
وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ( الفرقان : 60 ) ونظيرها - لكن في الموصولة -
فانكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء : 3 ) .
وجوز بعض النحويين أن يسأل بها عن أعيان من يعقل أيضا ، حكاه
الراغب ، فإن كان مأخذه قوله تعالى عن فرعون :
وما رب العالمين ( الشعراء : 23 ) فإنما هو سؤال عن الصفة ، لأن الرب هو المالك والملك صفة ، ولهذا أجابه
موسى عليه السلام بالصفات . ويحتمل أن " ما " سؤال عن ماهية الشيء ، ولا يمكن ذلك في حق الله تعالى ، فأجابه
موسى تنبيها على صواب السؤال .
ثم فيه مسألتان : إحداهما في إعرابها وهو بحسب الاسم المستفهم عنه ، فإن كانت هي المستفهم عنها كانت في موضع رفع بالابتداء نحو قوله تعالى : ما لونها ( البقرة : 69 ) و ما هي ( البقرة : 70 )
ما أصابك من حسنة فمن الله ( النساء : 79 ) .
وإن كان ما بعدها هو المسئول عنه كانت في موضع الخبر كقوله :
وما الرحمن ( الفرقان : 60 ) وقوله :
ما القارعة ما الحاقة .
الثانية : في حذف ألفها ، ويكثر في حالة الخفض ، قصدوا مشاكلة اللفظ للمعنى فحذفوا الألف كما أسقطوا الصلة ، ولم يحذفوا في حال النصب والرفع ، كيلا تبقى الكلمة على حرف واحد ، فإذا اتصل بها حرف الجر أو مضاف اعتمدت عليه ، لأن الخافض والمخفوض بمنزلة الكلمة الواحدة ، كقوله تعالى :
فيم أنت من ذكراها ( النازعات : 43 )
[ ص: 346 ] لم تحرم ما أحل الله لك ( التحريم : 1 )
فبم تبشروني ( الحجر : 54 )
عم يتساءلون ( النبأ : 1 ) .
وقال بعض النحويين : إما أن يستفهم بها مبنيا أو لا ، فالأول لا يحذف إلا مع الخافض كقوله :
فبم تبشرون ( الحجر : 54 ) ونظائره ، والثاني يحذف مع غير الخافض فإذا قال : رأيت شيئا حسنا قلت ما رأيت أو رأيت منه . انتهى .
وأما قوله :
ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي ( يس : 26 - 27 ) فقال المفسرون : معناه بأي شيء غفر لي ربي فجعلوا " ما " استفهاما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : معناه بمغفرة ربي ، فجعلها مصدرية .
قال
الهروي : إثبات الألف في " ما " بمعنى الاستفهام مع اتصالها بحرف الجر لغة ، وأما قوله :
فبما أغويتني لأقعدن لهم ( الأعراف : 16 ) فقيل : إنها للاستفهام أي بأي شيء أغويتني ؟ ثم ابتدأ
لأقعدن لهم وقيل مصدرية والباء متعلقة بفعل القسم المحذوف ، أي فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدن ، أي بسبب إغوائك أقسم .
ويجوز أن تكون الباء للقسم ، أي فأقسم بإغوائك لأقعدن ، وإنما أقسم بالإغواء لأنه كان مكلفا ، والتكليف من أفعال الله لكونه تعريفا لسعادة الأبد ، وكان جديرا أن يقسم به . فإن قيل : تعلقها بـ " لأقعدن " قيل : يصد عنه لام القسم ، ألا ترى أنك لا تقول : والله لا بزيد لأمرن .
والرابع : التعجبية كقوله تعالى :
فما أصبرهم على النار ( البقرة : 175 ) .
قتل الإنسان ما أكفره ( عبس : 17 ) . ولا ثالث لهما في القرآن إلا في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : ما أغرك بربك الكريم ( الانفطار : 6 ) .
[ ص: 347 ] وتكون في موضع رفع بالابتداء ، و " ما " خبر ، وهو قريب مما قبله ، لأن الاستفهام والتعجب بينهما تلازم ، لأنك إذا تعجبت من شيء فبالحري أن تسأل عنه .
والخامس : نكرة بمعنى شيء ، ويلزمها النعت كقولك : رأيت ما معجبا لك وفي التنزيل :
ما بعوضة فما فوقها ( البقرة : 26 )
إن الله نعما يعظكم به ( النساء : 58 ) أي نعم شيئا يعظكم به .
والسادس : نكرة بغير صفة ولا صلة ، كالتعجب وموضعها نصب على التمييز ، كقوله :
إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( البقرة : 271 ) أي فنعم شيئا هي ، كما تقول : نعم رجلا زيد ، أي نعم الرجل رجلا زيد ثم قام " ما " مقام الشيء .
فائدة : قال بعضهم : وقد تجيء ما مضمرة كقوله تعالى :
وإذا رأيت ثم رأيت ( الإنسان : 20 ) أي ما ثم . وقوله :
هذا فراق بيني وبينك ( الكهف : 78 ) أي ما بيني .
لقد تقطع بينكم ( الأنعام : 94 ) أي ما بينكم .