قال : " وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروينا عنه أن
الجمع في المصحف كان في زمن
أبي بكر رضي الله عنه والنسخ في المصاحف في زمن
عثمان ، وكان ما يجمعون وينسخون معلوما لهم بما كان مثبتا في صدور الرجال ، وذلك كله بمشورة من حضره من الصحابة ، وارتضاه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وحمد أثره فيه " .
[ ص: 330 ] وذكر غيره أن الذي استبد به
عثمان جمع الناس على قراءة محصورة ، والمنع من غير ذلك ، قال القاضي
أبو بكر في " الانتصار " : " لم يقصد
عثمان قصد
أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين ; وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ، ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ومنسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ، ومفروض قراءته وحفظه ، خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد " . انتهى .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " عن
أنس : " أن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان قدم على
عثمان ، وكان يغازي
أهل الشام في فتح
أرمينية وأذربيجان مع
أهل العراق ، فأفزع
حذيفة اختلافهم في القراءة ، وقال
لعثمان : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى . فأرسل
عثمان إلى
حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها إليه ، فأمر
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير ، nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=16334وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، قال
عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان
قريش ; فإنما نزل بلسانهم . ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى
حفصة ، وأرسل في كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق " .
وفي هذه إثبات ظاهر أن الصحابة جمعوا بين الدفتين القرآن المنزل من غير زيادة ولا نقص ، والذي حملهم على جمعه ما جاء في الحديث أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال ، فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته ، فجمعوه وكتبوه كما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن قدموا شيئا أو أخروا ، وهذا الترتيب كان منه - صلى الله عليه وسلم - بتوقيف لهم على ذلك ، وأن هذه الآية عقب تلك الآية ، فثبت أن سعي الصحابة في جمعه في موضع واحد لا في ترتيب ، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب الذي هو في مصاحفنا الآن ، أنزله الله جملة واحدة إلى سماء الدنيا ; كما قال الله تعالى :
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن [ ص: 331 ] ( البقرة : 185 ) ، وقال تعالى :
إنا أنزلناه في ليلة القدر ( القدر : 1 ) ، ثم كان ينزل مفرقا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة حياته عند الحاجة ، كما قال تعالى :
وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ( الإسراء : 106 ) ، فترتيب النزول غير ترتيب التلاوة ، وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة ، ورحمة من الله على عباده ، وتسهيلا وتحقيقا لوعده بحفظه ، كما قال تعالى :
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( الحجر : 9 ) وزال بذلك الاختلاف ، واتفقت الكلمة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي : كانت قراءة
أبي بكر وعمر وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة ; كانوا يقرءون القراءة العامة ، وهي القراءة التي قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على
جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه ، وكان زيد قد شهد العرضة الأخيرة وكان يقرئ الناس بها حتى مات ، ولذلك اعتمده
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق في جمعه ، وولاه
عثمان كتبة المصحف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13417أبو الحسين بن فارس في " المسائل الخمس " : " جمع القرآن على ضربين : أحدهما تأليف السور ، كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين ، فهذا الضرب هو الذي تولته الصحابة ، وأما الجمع الآخر وهو جمع الآيات في السور فهو توقيفي تولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال
الحاكم في " المستدرك " وقد روي حديث
عبد الرحمن بن شماس عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نؤلف القرآن من الرقاع . . . الحديث ، قال : وفيه البيان الواضح أن
جمع القرآن لم يكن مرة واحدة ، فقد جمع بعضه بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم
[ ص: 332 ] جمع بحضرة
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ، والجمع الثالث - وهو ترتيب السور - كان في خلافة
عثمان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15166الإمام أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي في كتاب " فهم السنن " : " كتابة القرآن ليست محدثة ; فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بكتابته ، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب ، وإنما أمر
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا ، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها القرآن منتشر ، فجمعها جامع ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء " .
فإن قيل : كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال ؟ قيل : لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف ، وقد شاهدوا تلاوته من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة ، فكان تزويد ما ليس منه مأمونا ، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه .
فإن قيل : كيف لم يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ؟ قيل : لأن الله تعالى كان قد أمنه من النسيان بقوله :
سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ( الأعلى : 6 و 7 ) أن يرفع حكمه بالنسخ ، فحين وقع الخوف من نسيان الخلق حدث ما لم يكن ، فأحدث بضبطه ما لم يحتج إليه قبل ذلك .
وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت : " فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال " ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن من قال إنه جمع القرآن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب وزيد ليس بمحفوظ ، وليس الأمر على ما أوهم ; وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ; ليشترك الجميع في علم ما جمع ، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء ، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ، ولا يشكوا في أنه جمع عن ملأ منهم .
فأما قوله : " وجدت آخر براءة مع
nindex.php?page=showalam&ids=2546خزيمة بن ثابت ، ولم أجدها مع غيره " يعني
[ ص: 333 ] ممن كانوا في طبقة
خزيمة لم يجمع القرآن .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل ; فبغير شك جمعوا القرآن ، والدلائل عليه متظاهرة ، قال : ولهذا المعنى لم يجمعوا السنن في كتاب إذا لم يمكن ضبطها كما ضبط القرآن ، قال : ومن الدليل على ذلك أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عند
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق لتكون إماما ، ولم تفارق
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق في حياته ، ولا
عمر أيامه ، ثم كانت عند
حفصة لا تمكن منها ، ولما احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة وقع الاختيار عليها في أيام
عثمان ; فأخذ ذلك الإمام ، ونسخ في المصاحف التي بعث بها إلى
الكوفة ، وكان الناس متروكين على قراءة ما يحفظون من قراءتهم المختلفة حتى خيف الفساد ، فجمعوا على القراءة التي نحن عليها . قال : والمشهور عند الناس أن جامع القرآن
عثمان - رضي الله عنه - وليس كذلك ; إنما حمل
عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من
المهاجرين والأنصار ، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل
العراق والشام في حروف القراءات والقرآن ، وأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن ، فأما السابق إلى جمع الجملة فهو
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ; روي عن
علي أنه قال : " رحم الله
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق ; هو أول من جمع بين اللوحين ، ولم يحتج الصحابة في أيام
أبي بكر وعمر إلى جمعه على وجه ما جمعه
عثمان ; لأنه لم يحدث في أيامهما من الخلاف فيه ما حدث في زمن
عثمان ، ولقد وفق لأمر عظيم ، ورفع الاختلاف ، وجمع الكلمة ، وأراح الأمة " .
" وأما تعلق
الروافض بأن
عثمان أحرق المصاحف ; فإنه جهل منهم وعمى ; فإن هذا من فضائله وعلمه ; فإنه أصلح ولم الشعث ، وكان ذلك واجبا عليه ، ولو تركه لعصى ; لما فيه من التضييع ، وحاشاه من ذلك . وقولهم : إنه سبق إلى ذلك ، ممنوع ; لما بيناه أنه كتب في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرقاع والأكتاف ، وأنه في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق جمعه في حرف واحد " .
[ ص: 334 ] قال : وأما قولهم : إنه أحرق المصاحف ، فإنه غير ثابت ، ولو ثبت لوجب حمله على أنه أحرق مصاحف قد أودعت ما لا يحل قراءته .
وفي الجملة : إنه إمام عدل غير معاند ولا طاعن في التنزيل ، ولم يحرق إلا ما يجب إحراقه ، ولهذا لم ينكر عليه أحد ذلك ، بل رضوه وعدوه من مناقبه ، حتى قال علي : " لو وليت ما ولي
عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل " . انتهى ملخصا .