إذ :
ترد على أوجه :
أحدها : أن تكون اسما للزمن الماضي وهو الغالب ، ثم قال الجمهور لا تكون إلا ظرفا ، نحو :
فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا [ التوبة : 40 ] ، أو مضافا إليها الظرف ، نحو :
إذ هديتنا [ آل عمران : 8 ]
يومئذ تحدث [ الزلزلة : 4 ] ،
وأنتم حينئذ تنظرون [ الواقعة : 84 ] .
[ ص: 458 ] وقال غيرهم تكون مفعولا به ، نحو :
واذكروا إذ كنتم قليلا [ الأعراف : 86 ] وكذا المذكورة في أوائل القصص كلها مفعول به بتقدير : ( اذكر ) .
وبدلا منه ، نحو :
واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت [ مريم : 16 ] ; فإذ بدل اشتمال من
مريم ، على حد البدل في
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [ البقرة : 217 ]
اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء [ المائدة : 20 ] أي : اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور ، فهي بدل كل من كل ، والجمهور يجعلونها في الأول ظرفا لمفعول محذوف ، أي : واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم قليلا . وفي الثاني ظرفا لمضاف إلى المفعول محذوف ، أي : واذكر قصة
مريم ، ويؤيد ذلك التصريح به في :
واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء [ آل عمران : 103 ] .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أنها تكون مبتدأ ، وخرج عليه قراءة بعضهم : ( لمن من الله على المؤمنين ) قال : التقدير : ( منه إذ بعث ) فإذ في محل رفع ، كإذا في قولك : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما ، أي : لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه . انتهى . قال
ابن هشام : ولا نعلم بذلك قائلا .
وذكر كثير أنها تخرج عن المضي إلى الاستقبال ، نحو :
يومئذ تحدث أخبارها [ الزلزلة : 4 ] ، والجمهور أنكروا ذلك ، وجعلوا الآية من باب :
ونفخ في الصور [ الكهف : 99 ] ، أعني من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة الماضي الواقع .
واحتج المثبتون - منهم
ابن مالك - بقوله تعالى :
فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم [ غافر : 70 ، - 71 ] فإن ( يعلمون ) مستقبل لفظا ومعنى ، لدخول حرف التنفيس عليه ، وقد عمل في ( إذ ) فيلزم أن تكون بمنزلة ( إذا ) .
وذكر بعضهم أنها تأتي في الحال ، نحو :
ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه [ يونس : 61 ] أي : حين تفيضون فيه .
فائدة :
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك قال : ما كان في القرآن ( إن ) بكسر الألف فلم يكن ، وما كان ( إذ ) فقد كان .
الوجه الثاني : أن تكون للتعليل ، نحو :
ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ الزخرف : 39 ] أي : ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب ، لأجل ظلمكم في الدنيا .
[ ص: 459 ] وهل هي حرف بمنزلة لام العلة ، أو ظرف بمعنى وقت ، والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ ؟ قولان ، المنسوب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه الأول .
وعلى الثاني : في الآية إشكال ; لأن ( إذ ) لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين ولا تكون ظرفا ل ( ينفع ) ; لأنه لا يعمل في ظرفين ، ولا ل ( مشتركون ) ; لأن معمول خبر ( إن ) وأخواتها لا يتقدم عليها ، ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول ، ولأن اشتراكهم في الآخرة ، لا في زمن ظلمهم .
ومما حمل على التعليل :
وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم [ الأحقاف : 11 ]
وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف [ الكهف : 16 ] وأنكر الجمهور هذا القسم ، وقالوا : التقدير : ( بعد إذ ظلمتم ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : راجعت
أبا علي مرارا في قوله تعالى :
ولن ينفعكم اليوم الآية ، مستشكلا إبدال ( إذ ) من ( اليوم ) ، وآخر ما تحصل منه : أن الدنيا والآخرة متصلتان ، وأنهما في حكم الله سواء فكأن اليوم ماض . انتهى .
الوجه الثالث : التوكيد ، بأن تحمل على الزيادة ، قاله
أبو عبيدة ، وتبعه
ابن قتيبة ، وحملا عليه آيات منها :
وإذ قال ربك للملائكة [ البقرة : 30 ] .
الرابع : التحقيق كقد ، وحملت عليه الآية المذكورة . وجعل منه
السهيلي قوله
بعد إذ أنتم مسلمون [ آل عمران : 80 ] ، قال
ابن هشام : وليس القولان بشيء .
مسألة :
تلزم ( إذ ) الإضافة إلى جملة : إما اسمية نحو :
واذكروا إذ أنتم قليل [ الأنفال : 26 ] أو فعلية فعلها ماض لفظا ومعنى ، نحو :
وإذ قال ربك للملائكة [ البقرة : 30 ]
وإذ ابتلى إبراهيم ربه [ البقرة : 124 ] . أو معنى لا لفظا ، نحو :
وإذ تقول للذي أنعم الله عليه [ الأحزاب : 37 ] وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى :
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه [ التوبة : 40 ] . وقد تحذف الجملة للعلم بها ، ويعوض عنها التنوين ، وتكسر الذال لالتقاء الساكنين ، نحو :
ويومئذ يفرح المؤمنون [ الروم : 4 ] .
وأنتم حينئذ تنظرون [ الواقعة : 84 ] .
وزعم
الأخفش أن ( إذ ) في ذلك معربة ، لزوال افتقارها إلى الجملة ، وأن الكسرة إعراب ; لأن اليوم والحين مضافان إليها . ورد بأن بناءها لوضعها على حرفين ، وبأن الافتقار باق في المعنى ، كالموصول تحذف صلته .