ثم : حرف يقتضي ثلاثة أمور :
التشريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة ، وفي كل خلاف .
أما التشريك فزعم الكوفيون
والأخفش : أنه قد يتخلف ، بأن تقع زائدة ، فلا تكون عاطفة ألبتة ، وخرجوا على ذلك :
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم [ التوبة : 118 ] .
وأجيب بأن الجواب فيها مقدر .
[ ص: 490 ] وأما الترتيب والمهلة فخالف قوم في اقتضائها إياهما ، تمسكا بقوله :
خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها [ الزمر : 6 ] .
وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه [ السجدة : 7 - 9 ] ،
وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى [ طه : 82 ] . والاهتداء سابق على ذلك ،
ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ثم آتينا موسى الكتاب [ الأنعام : 153 - 154 ] .
وأجيب : عن الكل بأن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم .
قال
ابن هشام : وغير هذا الجواب أنفع منه ، لأنه يصحح الترتيب فقط لا المهلة ، إذ لا تراخي بين الإخبارين . والجواب المصحح لهما ما قيل في الأولى : إن العطف على مقدر ، أي : من نفس واحدة : أنشأها ثم جعل منها زوجها ، وفي الثانية : أن ( سواه ) عطف على الجملة الأولى لا الثانية ، وفي الثالثة أن المراد : ثم دام على الهداية .
فائدة : أجرى الكوفيون ( ثم ) مجرى الفاء والواو ، في جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط ، وخرج عليه قراءة
الحسن :
ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت [ النساء : 100 ] بنصب يدركه .
ثم : بالفتح ، اسم يشار به إلى المكان البعيد ، نحو :
وأزلفنا ثم الآخرين [ الشعراء : 64 ] وهو ظرف لا يتصرف ، فلذلك غلط من أعربه مفعولا ل ( رأيت ) في قوله :
وإذا رأيت ثم [ الإنسان : 20 ] وقرئ ( فإلينا مرجعهم ثم الله ) [ يونس : 46 ] أي : هنالك الله شهيد ، بدليل :
هنالك الولاية لله الحق [ الكهف : 44 ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في قوله :
أثم إذا ما وقع آمنتم به [ يونس : 51 ] معناه : هنالك ، وليست ثم العاطفة .
وهذا وهم ، أشبه عليه المضمومة بالمفتوحة .
وفي " التوشيح " لخطاب : ( ثم ) ظرف فيه معنى الإشارة إلى حيث ; لأنه هو في المعنى .