[ ص: 581 ] ومن ذلك (
الإعطاء والإيتاء ) قال
الخوبي : لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب الله ، وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله ; لأن الإعطاء له مطاوع ، تقول أعطاني فعطوت ، ولا يقال في الإيتاء : آتاني فأتيت ، وإنما يقال : آتاني فأخذت . والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الذي لا مطاوع له لأنك تقول : قطعته فانقطع ، فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول في المحل ، لولاه ما ثبت المفعول ، ولهذا يصح قطعته فما انقطع ، ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك ، فلا يجوز ضربته فانضرب ، أو فما انضرب ، ولا قتلته فانقتل ، ولا فما انقتل ; لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل ، والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها ، فالإيتاء أقوى من الإعطاء .
قال : وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى ، قال تعالى :
تؤتي الملك من تشاء [ آل عمران : 26 ] ; لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة ، وكذا
يؤتي الحكمة من يشاء [ البقرة : 269 ] .
آتيناك سبعا من المثاني [ الحجر : 87 ] لعظم القرآن وشأنه .
وقال
إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : 1 ] : لأنه مورود في الموقف مرتحل عنه ، قريب إلى منازل العز في الجنة ، فعبر فيه بالإعطاء ; لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هو أعظم منه .
وكذا :
يعطيك ربك فترضى [ الضحى : 5 ] ، لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا ; وهو مفسر - أيضا - بالشفاعة ، وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه .
وكذا :
أعطى كل شيء خلقه [ طه : 50 ] لتكرر حدوث ذلك باعتبار الموجودات .
حتى يعطوا الجزية [ التوبة : 29 ] ; لأنها موقوفة على قبول منا ، وإنما يعطونها عن كره .
فائدة : قال
الراغب : خص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء ، نحو :
وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة [ البقرة : 277 ] .
وأقام الصلاة وآتى الزكاة [ البقرة : 177 ] .
قال : وكل موضع ذكر في وصف الكتاب ( آتينا ) فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه
[ ص: 582 ] ( أوتوا ) ; لأن ( أوتوا ) قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول ، و ( آتيناهم ) يقال فيمن كان منه قبول .