[ ص: 633 ] فصل
[ أقسام العام ] .
العام على ثلاثة أقسام :
الأول :
الباقي على عمومه : قال
القاضي جلال الدين البلقيني ومثاله عزيز ، إذ ما من عام إلا ويتخيل فيه التخصيص ، فقوله
ياأيها الناس اتقوا ربكم [ الحج : 1 ] . قد يخص منه غير المكلف . و
حرمت عليكم الميتة [ المائدة : 3 ] . خص منها حالة الاضطرار ، وميتة السمك والجراد . (
وحرم الربا ) [ البقرة : 275 ] خص منه العرايا .
وذكر
الزركشي في " البرهان " أنه كثير في القرآن ، وأورد منه :
وأن الله بكل شيء عليم [ المائدة : 97 ] .
إن الله لا يظلم الناس شيئا [ يونس : 44 ] .
ولا يظلم ربك أحدا [ الكهف : 49 ] .
والله خلقكم من تراب ثم من نطفة [ فاطر : 11 ] .
الله الذي جعل لكم الأرض قرارا [ غافر : 64 ] .
قلت : هذه الآيات كلها في غير الأحكام الفرعية ، فالظاهر أن مراد
البلقيني أنه عزيز في الأحكام الفرعية . وقد استخرجت من القرآن بعد الفكر آية فيها ، وهي قوله :
حرمت عليكم أمهاتكم [ النساء : 23 ] . الآية ; فإنه لا خصوص فيها .
الثاني :
العام المراد به المخصوص .
الثالث :
العام المخصوص .
[ ص: 634 ] وللناس بينهما فروق :
أن الأول : لم يرد شموله لجميع الأفراد ، لا من جهة تناول اللفظ ، ولا من جهة الحكم ; بل هو ذو أفراد استعمل في فرد منها .
والثاني : أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد ، من جهة تناول اللفظ لها ، لا من جهة الحكم .
ومنها : أن الأول مجاز قطعا ، لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلي . بخلاف الثاني ; فإن فيه مذاهب أصحها أنه حقيقة ، وعليه أكثر الشافعية وكثير من الحنفية وجميع الحنابلة ، ونقله إمام الحرمين عن جميع الفقهاء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الشيخ أبو حامد : إنه مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه ، وصححه
السبكي ; لأن تناول اللفظ للبعض الباقي بعد التخصيص كتناوله له بلا تخصيص ، وذلك التناول حقيقي اتفاقا ، فليكن هذا التناول حقيقيا أيضا .
ومنها : أن قرينة الأول عقلية ، والثاني لفظية .
ومنها : أن قرينة الأول لا تنفك عنه ، وقرينة الثاني قد تنفك عنه .
ومنها : أن الأول يصح أن يراد به واحد اتفاقا ، وفي الثاني خلاف .
ومن أمثلة المراد به الخصوص : قوله تعالى :
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم [ آل عمران : 173 ] . والقائل واحد :
نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من
خزاعة ، كما أخرجه
ابن مردويه من حديث
أبي رافع لقيامه مقام كثير في تثبيط المؤمنين عن ملاقاة
أبي سفيان .
قال
الفارسي : ومما يقوي أن المراد به واحد قوله :
إنما ذلكم الشيطان [ آل عمران : 175 ] . فوقعت الإشارة بقوله : ذلك متاع إلى واحد بعينه ، ولو كان المعنى جمعا لقال : ( إنما أولئكم الشيطان ) فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ .
ومنها قوله تعالى :
أم يحسدون الناس [ النساء : 54 ] . أي : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة .
ومنها قوله :
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس [ البقرة : 199 ] . أخرج
ابن [ ص: 635 ] جرير من طريق
الضحاك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، في قوله :
من حيث أفاض الناس قال :
إبراهيم - عليه السلام - .
ومن الغريب قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : ( من حيث أفاض الناسي ) قال : في " المحتسب " : يعني
آدم ، لقوله
فنسي ولم نجد له عزما [ طه : 115 ] .
ومنها : قوله تعالى :
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب [ آل عمران : 39 ] أي :
جبريل ، كما في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
وأما المخصوص : فأمثلته في القرآن كثيرة جدا ، وهو أكثر من المنسوخ ، إذ ما من عام إلا وقد خص .
ثم
المخصص له : إما متصل وإما منفصل :
فالمتصل : خمسة وقعت في القرآن :
أحدها :
الاستثناء : نحو :
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا [ النور : 4 - 5 ] .
والشعراء يتبعهم الغاوون إلى قوله :
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية [ الشعراء : 224 - 227 ] .
ومن يفعل ذلك يلق أثاما إلى قوله :
إلا من تاب [ الفرقان : 68 - 70 ] .
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ النساء : 24 ] .
كل شيء هالك إلا وجهه [ القصص : 88 ] .
الثاني :
الوصف : نحو :
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن [ النساء : 23 ] .
الثالث : الشرط : نحو :
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا [ النور : 33 ]
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] .
الرابع :
الغاية : نحو :
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله :
حتى يعطوا الجزية [ التوبة : 29 ]
ولا تقربوهن حتى يطهرن [ البقرة : 222 ] .
[ ص: 636 ] ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة : 196 ] .
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض الآية [ البقرة : 187 ] .
والخامس :
بدل البعض من الكل : نحو :
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ آل عمران : 97 ] .
والمنفصل : آية أخرى في محل آخر ، أو حديث ، أو إجماع ، أو قياس .
ومن أمثلة
ما خص بالقرآن : قوله تعالى :
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 187 ] . خص بقوله :
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة [ الأحزاب : 49 ] ، وبقوله
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ الطلاق : 4 ] .
وقوله :
حرمت عليكم الميتة والدم [ المائدة : 3 ] . خص من الميتة السمك بقوله :
أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة [ المائدة : 96 ] . ومن الدم الجامد بقوله
أو دما مسفوحا [ الأنعام : 145 ] .
وقوله :
وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا [ النساء : 20 ] الآية ، خص بقوله تعالى :
فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] .
وقوله :
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [ النور : 2 ] خص بقوله :
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] .
وقوله :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء : 3 ] خص بقوله :
حرمت عليكم أمهاتكم : الآية [ النساء : 23 ] .
ومن أمثلة
ما خص بالحديث : قوله تعالى :
وأحل الله البيع [ البقرة : 275 ] . خص منه البيوع الفاسدة - وهي كثيرة - بالسنة .
وحرم الربا [ البقرة : 275 ] خص منه العرايا بالسنة .
[ ص: 637 ] وآيات المواريث : خص منها القاتل والمخالف في الدين بالسنة .
وآية تحريم الميتة : خص منها الجراد بالسنة .
وآية :
ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] خص منها الأمة بالسنة .
وقوله :
ماء طهورا [ الفرقان : 48 ] خص منه المتغير بالسنة .
وقوله :
والسارق والسارقة فاقطعوا [ المائدة : 38 ] خص منه من سرق دون ربع دينار بالسنة .
ومن أمثلة
ما خص بالإجماع : آية المواريث ، خص منها الرقيق ، فلا يرث بالإجماع ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي .
ومن أمثلة
ما خص بالقياس : آية الزنا :
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [ النور : 2 ] خص منها العبد بالقياس على الأمة المنصوصة في قوله :
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] المخصص لعموم الآية . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي - أيضا - .