فصل [ المفهوم وأقسامه ]
والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق . وهو قسمان :
مفهوم موافقة ،
ومفهوم مخالفة .
فالأول : ما يوافق حكمه المنطوق ، فإن كان أولى سمي
فحوى الخطاب كدلالة
فلا تقل لهما أف [ الإسراء : 23 ] على تحريم الضرب لأنه أشد ، وإن كان مساويا سمي لحن الخطاب ؛ أي معناه كدلالة
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء : 10 ] على تحريم الإحراق ؛ لأنه مساو للأكل في الإتلاف .
واختلف هل دلالة ذلك قياسية أو لفظية مجازية أو حقيقية ؟ على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية .
والثاني : ما يخالف حكمه المنطوق ، وهو أنواع :
مفهوم صفة ؛ نعتا كان أو حالا أو ظرفا أو عددا ، نحو :
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [ الحجرات : 6 ] مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبين في خبره ، فيجب قبول خبر
[ ص: 19 ] الواحد العدل .
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] .
الحج أشهر معلومات [ البقرة : 197 ] ؛ أي : فلا يصح الإحرام به في غيرها .
فاذكروا الله عند المشعر الحرام [ البقرة : 198 ] ؛ أي : فالذكر عند غيره ليس محصلا للمطلوب .
فاجلدوهم ثمانين جلدة [ النور : 4 ] ؛ أي : لا أقل ولا أكثر .
وشرط ، نحو :
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن [ الطلاق : 6 ] ؛ أي : فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن .
وغاية ، نحو :
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] ؛ أي : فإذا نكحته تحل للأول بشرطه .
وحصر ، نحو :
لا إله إلا الله [ الصافات : 35 ] ،
إنما إلهكم الله [ طه : 98 ] ؛ أي : فغيره ليس بإله ،
فالله هو الولي [ الشورى : 9 ] ؛ أي : فغيره ليس بولي ،
لإلى الله تحشرون [ آل عمران : 158 ] ؛ أي : لا إلى غيره .
إياك نعبد [ الفاتحة : 5 ] ؛ أي : لا غيرك .
واختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة والأصح في الجملة أنها كلها حجة بشروط .
منها : أن لا يكون المذكور خرج للغالب ، ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله :
وربائبكم اللاتي في حجوركم [ النساء : 23 ] ، فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج فلا مفهوم له لأنه إنما خص بالذكر لغلبة حضوره في الذهن .
وأن لا يكون موافقا للواقع ومن ثم لا مفهوم لقوله :
ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به [ المؤمنون : 117 ] ، وقوله :
لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [ آل عمران : 28 ] ، وقوله :
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا [ النور : 33 ] ، والاطلاع على ذلك من فوائد معرفة أسباب النزول .
فائدة : قال بعضهم : الألفاظ إما أن تدل بمنطوقها أو بفحواها ومفهومها أو باقتضائها وضرورتها أو بمعقولها المستنبط منها ، حكاه ابن الحصار : وقال : هذا كلام حسن .
قلت : فالأول : دلالة المنطوق ، والثاني : دلالة المفهوم ، والثالث : دلالة الاقتضاء ، والرابع : دلالة الإشارة .