النوع الثالث :
التأكيد الصناعي وهو أربعة أقسام :
أحدها :
التوكيد المعنوي بكل وأجمع وكلا وكلتا ، نحو :
فسجد الملائكة كلهم أجمعون [ الحجر : 30 ] . وفائدته : رفع توهم المجاز وعدم الشمول .
وادعى
الفراء أن ( كلهم ) أفادت ذلك ، و ( أجمعون ) أفادت اجتماعهم على السجود ، وأنهم لم يسجدوا متفرقين .
ثانيها :
التأكيد اللفظي ؛ وهو تكرار اللفظ الأول .
إما بمرادفه ، نحو :
ضيقا حرجا [ الأنعام : 125 ] بكسر الراء ، و :
وغرابيب سود [ فاطر : 27 ] ، وجعل منه الصفار :
فيما إن مكناكم فيه [ الأحقاف : 26 ] على القول بأن كليهما للنفي وجعل منه غيره :
قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [ الحديد : 13 ] ، ف ( وراء ) هنا ليس ظرفا ؛ لأن اللفظ ( ارجعوا ) ينبئ عنه ، بل هو اسم فعل بمعنى ارجعوا ، فكأنه قال : ارجعوا ، ارجعوا .
وإما بلفظه : ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة : فالاسم ، نحو :
قوارير قوارير [ الإنسان : 15 ، 16 ] ،
دكا دكا [ الفجر : 21 ] .
والفعل :
فمهل الكافرين أمهلهم [ الطارق : 17 ] .
واسم الفعل : نحو :
هيهات هيهات لما توعدون [ المؤمنون : 36 ] .
والحرف : نحو :
ففي الجنة خالدين فيها [ هود : 108 ] ،
أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم [ المؤمنون : 35 ] .
والجملة : نحو :
فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا [ الشرح : 5 ، 6 ] ، والأحسن اقتران الثانية بثم ، نحو :
وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين [ الانفطار : 17 ، 18 ] ،
كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون [ التكاثر : 3 ، 4 ] .
[ ص: 106 ] ومن هذا النوع
تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل ، نحو :
اسكن أنت وزوجك الجنة [ البقرة : 35 ] ،
فاذهب أنت وربك [ المائدة : 24 ] ،
وإما أن نكون نحن الملقين [ الأعراف : 115 ] .
ومنه
تأكيد المنفصل بمثله :
وهم بالآخرة هم كافرون [ يوسف : 37 ] .
ثالثها :
تأكيد الفعل بمصدره ، وهو عوض من تكرار الفعل مرتين .
وفائدته : رفع توهم المجاز في الفعل بخلاف التوكيد السابق فإنه لرفع توهم المجاز في المسند إليه . كذا فرق به ابن عصفور وغيره ، ومن ثم رد بعض أهل السنة على بعض المعتزلة في دعواه نفي التكليم حقيقة بقوله :
وكلم الله موسى تكليما [ النساء : 164 ] ؛ لأن التوكيد رفع المجاز في الفعل .
ومن أمثلته :
ويسلموا تسليما [ الأحزاب : 65 ] ،
تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا [ الطور : 9 ، 10 ] ،
جزاؤكم جزاء موفورا [ الإسراء : 63 ] ، وليس منه
وتظنون بالله الظنون [ الأحزاب : 10 ] ، بل هو جمع ( ظن ) لاختلاف أنواعه ، وأما
إلا أن يشاء ربي شيئا [ الأنعام : 80 ] ، فيحتمل أن يكون منه ، وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن .
والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد ، نحو :
اذكروا الله ذكرا كثيرا [ الأحزاب : 41 ] ،
وسرحوهن سراحا جميلا [ الأحزاب : 49 ] ، وقد يضاف وصفه إليه ، نحو :
اتقوا الله حق تقاته [ آل عمران : 102 ] ، وقد يؤكد بمصدر فعل آخر أو اسم عين نيابة عن المصدر ، نحو :
وتبتل إليه تبتيلا [ المزمل : 8 ] ، والمصدر تبتلا ، والتبتيل مصدر بتل .
أنبتكم من الأرض نباتا [ نوح : 17 ] ؛ أي : إنباتا ؛ إذ النبات اسم عين .
رابعها :
الحال المؤكدة ، نحو :
ويوم أبعث حيا [ مريم : 33 ] ،
ولا تعثوا في الأرض مفسدين [ البقرة : 60 ] ،
وأرسلناك للناس رسولا [ النساء : 79 ] ،
ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون [ البقرة : 83 ] ،
وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد [ ق : 31 ] .
وليس منه :
ولى مدبرا [ النمل : 10 ] ؛ لأن التولية قد لا تكون إدبارا بدليل قوله :
[ ص: 107 ] فول وجهك شطر المسجد الحرام [ البقرة : 144 ] ، ولا :
فتبسم ضاحكا [ النمل : 19 ] ؛ لأن التبسم قد لا يكون ضحكا ، ولا :
وهو الحق مصدقا [ البقرة : 91 ] ، لاختلاف المعنيين ؛ إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدقا لما قبله .