[ ص: 209 ] النوع الستون في فواتح السور .
أفردها بالتأليف
ابن أبي الإصبع في كتاب سماه الخواطر السوانح في أسرار الفواتح وأنا ألخص هنا ما ذكره مع زوائد من غيره :
اعلم أن
الله تعالى افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من الكلام ، لا يخرج شيء من السور عنها .
الأول : الثناء عليه تعالى ، والثناء قسمان : إثبات لصفات المدح ، ونفي وتنزيه من صفات النقص . فالأول : التحميد في خمس سور ، وتبارك في سورتين . والثاني : التسبيح في سبع سور .
قال
الكرماني في متشابه القرآن : التسبيح كلمة استأثر الله بها ، فبدأ بالمصدر في
بني إسرائيل لأنه الأصل ، ثم بالماضي في الحديد والحشر ، لأنه أسبق الزمانين ثم بالمضارع في الجمعة والتغابن ، ثم بالأمر في الأعلى استيعابا لهذه الكلمة في جميع جهاتها .
الثاني : حروف التهجي في تسع وعشرين سورة ، وقد مضى الكلام عليها مستوعبا في نوع المتشابه ، ويأتي الإلمام بمناسباتها في نوع المناسبات .
الثالث : النداء في عشر سور : خمس بنداء الرسول صلى الله عليه وسلم : الأحزاب والطلاق والتحريم والمزمل والمدثر ، وخمس بنداء الأمة : النساء ، والمائدة ، والحج ، والحجرات ، والممتحنة .
الرابع : الجمل الخبرية نحو :
يسألونك عن الأنفال [ الأنفال ] .
براءة من الله [ التوبة ] .
أتى أمر الله [ النحل ] .
اقترب للناس حسابهم [ الأنبياء ] .
قد أفلح المؤمنون [ المؤمنون ] .
[ ص: 210 ] سورة أنزلناها [ النور ] .
تنزيل الكتاب الذين كفروا [
محمد ] .
إنا فتحنا [ الفتح ] .
اقتربت الساعة [ القمر ] .
الرحمن علم [ الرحمن ] .
قد سمع الله [ المجادلة ] .
الحاقة سأل سائل [ المعارج ] .
إنا أرسلنا نوحا [
نوح ] .
لا أقسم في موضعين [ القيامة ، والبلد ] .
عبس إنا أنزلناه [ القدر ] .
لم يكن القارعة ألهاكم [ التكاثر ] .
إنا أعطيناك [ الكوثر ] . فتلك ثلاث وعشرون سورة .
الخامس : القسم في خمس عشرة سورة .
سورة أقسم فيها بالملائكة وهي والصافات
وسورتان بالأفلاك : البروج والطارق .
وست سور بلوازمها : فالنجم قسم بالثريا ، والفجر بمبدأ النهار ، والشمس بآية النهار ، والليل بشطر الزمان ، والضحى بشطر النهار ، والعصر بالشطر الآخر ، أو بجملة الزمان .
وسورتان بالهواء الذي هو أحد العناصر ، والذاريات ، والمرسلات ، وسورة بالتربة التي هي منها أيضا ، وهي الطور ، وسورة بالنبات ، وهي والتين ، وسورة بالحيوان الناطق ، وهي والنازعات ، وسورة بالبهيم وهي والعاديات .
السادس : الشرط في سبع سور : الواقعة والمنافقون والتكوير والانفطار والانشقاق والزلزلة والنصر .
السابع : الأمر في ست سور : قل أوحي اقرأ قل ياأيها الكافرون قل هو الله أحد قل أعوذ المعوذتين .
الثامن : الاستفهام في ست سور : عم يتساءلون هل أتى هل أتاك ألم نشرح ألم تر أرأيت .
التاسع : الدعاء في ثلاث : ويل للمطففين ويل لكل همزة تبت .
[ ص: 211 ] العاشر : التعليل في تبت .
هكذا جمع
أبو شامة قال : وما ذكرناه في الدعاء يجوز أن يذكر مع الخبر ، وكذا الثناء كله خبر إلا سبح فإنه يدخل في قسم الأمر ، وسبحان يحتمل الأمر والخبر .
ثم نظم ذلك في بيتين فقال :
أثنى على نفسه سبحانه بثبو ت الحمد والسلب لما استفتح السورا والأمر شرط الندا التعليل والقسم الد
عا حروف التهجي استفهم الخبرا
وقال أهل البيان :
من البلاغة حسن الابتداء ، وهو أن يتأنق في أول الكلام ، لأنه أول ما يقرع السمع فإن كان محررا أقبل السامع على الكلام ووعاه ، وإلا أعرض عنه لو كان الباقي في نهاية الحسن ، فينبغي أن يؤتى فيه بأعذب اللفظ وأجزله وأرقه وأسلسه ، وأحسنه نظما وسبكا ، وأصحه معنى ، وأوضحه وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس ، أو الذي لا يناسب .
قالوا : وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها ، كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك .
ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى : براعة الاستهلال ، وهو أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلم فيه ، ويشير إلى ما سيق الكلام لأجله ، والعلم الأسنى في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن ، فإنها مشتملة على جميع مقاصده ، كما قال
البيهقي في شعب الإيمان : أخبرنا
أبو القاسم بن حبيب ، أنبأنا
محمد بن صالح بن هانئ ، أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=14127الحسين بن الفضل ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14358الربيع بن صبيح ، عن
الحسن ، قال : أنزل الله تعالى مائة وأربعة كتب ، أودع علومها أربعة منها : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان ، ثم أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان القرآن ، ثم أودع علوم القرآن المفصل ، ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب ، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة . وقد وجه ذلك بأن
العلوم التي احتوى عليها القرآن وقامت بها الأديان أربعة :
علم الأصول ومداره على معرفة الله تعالى وصفاته ، وإليه الإشارة ب
رب العالمين الرحمن الرحيم [ ص: 212 ] ومعرفة النبوات وإليه الإشارة ب
الذين أنعمت عليهم ومعرفة المعاد وإليه الإشارة ب
مالك يوم الدين .
وعلم العبادات : وإليه الإشارة ب
إياك نعبد .
وعلم السلوك : وهو حمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية وإليه الإشارة ب
إياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم
وعلم القصص : وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه وإليه الإشارة بقوله :
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فنبه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن ، وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة .
وكذلك أول سورة " اقرأ " فإنها مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من براعة الاستهلال ، لكونها أول ما أنزل فإن فيها الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم الله وفيه الإشارة على علم الأحكام ، وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل ، وفي هذه الإشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله
علم الإنسان ما لم يعلم [ العلق : 5 ] . ولهذا قيل : إنها جديرة أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله .