السادس سئل
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي عن
معنى قوله تعالى : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ النساء : 82 ] .
فأجاب : الاختلاف لفظ مشترك بين معان ، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه ، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن . ويقال : هذا كلام مختلف : أي : لا يشبه أوله آخره في الفصاحة ، أو هو مختلف الدعوة : أي : بعضه يدعو إلى الدين ، وبعضه يدعو إلى الدنيا وهو مختلف النظم ، فبعضه على وزن الشعر ، وبعضه منزحف وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة ، وبعضه على أسلوب يخالفه .
وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات ، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله
[ ص: 255 ] آخره وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة فليس يشتمل على الغث والسمين ، ومسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدنيا إلى الدين .
وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات ، إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه ، وجد فيه اختلاف في منهاج النظم ، ثم اختلاف في درجات الفصاحة ، بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغث والسمين ، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان ، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة ، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة ، لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون ، فتارة يمدحون الدنيا وتارة يذمونها ، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما ، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا ، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة ، وتارة يذمونها ويسمونها تهورا ، ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات; لأن منشأها اختلاف الأغراض بالأحوال ، والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه ، وتتعذر عليه عند الانقباض ، وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة ، ويميل عنه أخرى ، فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة ، فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة ، وهي مدة نزول القرآن فيتكلم على غرض واحد ، ومنهاج واحد ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله ، فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .