[ ص: 371 ] النوع الثالث والسبعون في
أفضل القرآن وفضائله .
اختلف الناس : هل في القرآن شيء أفضل من شيء ؟
فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13711الإمام أبو الحسن الأشعري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12604والقاضي أبو بكر الباقلاني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان إلى المنع لأن الجميع كلام الله ، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وروى هذا القول عن
مالك .
قال
يحيى بن يحيى : تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ، ولذلك كره
مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979823ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، إن الله لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن ، إذ الله سبحانه وتعالى بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه . قال : وقوله : " أعظم سورة " أراد به في الأجر لا أن بعض القرآن أفضل من بعض .
وذهب آخرون إلى التفضيل لظواهر الأحاديث منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12815وأبو بكر بن العربي nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي .
وقال
القرطبي : إنه لحق ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في جواهر القرآن : لعلك أن تقول : قد أشرت إلى
تفضيل بعض آيات القرآن على بعض ، والكلام كلام الله ، فكيف يفارق بعضها بعضا ، وكيف يكون بعضها أشرف من بعض ، فاعلم أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية
[ ص: 372 ] الكرسي وآية المداينات ، وبين سورة الإخلاص وسورة تبت ، وترتاع على اعتقاد الفرق نفسك الخوارة المستغرقة بالتقليد ، فقلد صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم فهو الذي أنزل عليه القرآن .
وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979824يس قلب القرآن و
فاتحة الكتاب أفضل سور القرآن و
nindex.php?page=hadith&LINKID=979826آية الكرسي سيدة آي القرآن و
nindex.php?page=hadith&LINKID=979814قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن .
والأخبار الواردة في فضائل القرآن ، وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل ، وكثرة الثواب في تلاوتها لا تحصى . انتهى .
وقال
ابن الحصار : العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك ، مع النصوص الواردة بالتفضيل .
وقال الشيخ
عز الدين بن عبد السلام : كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره ، ف
قل هو الله أحد أفضل من
تبت يدا أبي لهب .
وقال
الخويي : كلام الله أبلغ من كلام المخلوقين .
وهل يجوز أن يقال : بعض كلامه أبلغ من بعض الكلام ؟ جوزه قوم لقصور نظرهم ، وينبغي أن تعلم أن معنى قول القائل : هذا الكلام أبلغ من هذا ، أن هذا في موضعه له حسن ولطف ، وذاك في موضعه له حسن ولطف ، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه .
قال : فإن من قال : إن
قل هو الله أحد أبلغ من
تبت يدا أبي لهب جعل المقابلة بين ذكر الله وذكر
أبي لهب ، وبين التوحيد والدعاء على الكافر ، وذلك غير صحيح ، بل ينبغي أن يقال :
تبت يدا أبي لهب دعاء عليه بالخسران ، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه ، وكذلك في
قل هو الله أحد لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها ، فالعالم إذا نظر إلى :
تبت يدا أبي لهب في باب الدعاء بالخسران ، ونظر إلى
قل هو الله أحد في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر . انتهى .
[ ص: 373 ] وقال غيره : اختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم : الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب ، بحسب انفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلا ، وقيل : بل يرجع لذات اللفظ ، وأن ما تضمنه قوله تعالى : وإلهكم إله واحد الآية ، وآية الكرسي ، وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في
تبت يدا أبي لهب وما كان مثلها فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها .
وقال
الحليمي ونقله عنه
البيهقي : معنى التفضيل يرجع إلى أشياء .
أحدها : أن يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى ، وأعود على الناس ، وعلى هذا يقال : آية الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص ، لأنها إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير ، ولا غنى بالناس عن هذه الأمور ، وقد يستغنون عن القصص ، فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول خيرا لهم مما يجعل لهم تبعا لما لا بد منه .
الثاني : أن يقال : الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى ، وبيان صفاته والدلالة على عظمته أفضل ، بمعنى أن مخبراتها أسنى ، وأجل قدرا .
الثالث : أن يقال : سورة خير من سورة ، أو آية خير من آية ، بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ، ويتأدى منه بتلاوتها عبادة ، كقراءة آية الكرسي ، والإخلاص ، والمعوذتين ، فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى ، والاعتصام بالله ، ويتأدى بتلاوتها عبادة الله ، لما فيها من ذكره سبحانه وتعالى بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها ، وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر وبركته . فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم وإنما يقع بها علم .
ثم لو قيل في الجملة : إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور بمعنى أن التعبد بالتلاوة ، والعلم واقع به دونها ، والثواب بحسب قراءته لا بقراءتها ، أو أنه من حيث الإعجاز
[ ص: 374 ] حجة النبي المبعوث ، وتلك الكتب لم تكن معجزة ، ولا كانت حجج أولئك الأنبياء ، بل كانت دعوتهم والحجج غيرها ، وكان ذلك أيضا نظير ما مضى .
وقد يقال : إن سورة أفضل من سورة; لأن الله جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها ، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا ، كما يقال : إن يوما أفضل من يوم ، وشهرا أفضل من شهر ، بمعنى العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره ، والذنب فيه أعظم منه في غيره ، وكما يقال : إن الحرم أفضل من الحل لأنه يتأدى فيه من المناسك ما لا يتأدى في غيره ، والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيرها . انتهى كلام
الحليمي .
وقال
ابن التين في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979827لأعلمنك سورة هي أعظم السور معناه : أن ثوابها أعظم من غيرها .
وقال غيره : إنما كانت أعظم السور ، لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن; ولذلك سميت
أم القرآن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ، ثم أودع علوم القرآن الفاتحة ، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة . أخرجه
البيهقي .
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، باشتمالها على الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وعلى التعبد بالأمر والنهي ، وعلى الوعد والوعيد ، وآيات القرآن لا تخلو عن أحد هذه الأمور .
وقال
الإمام فخر الدين : المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة : الإلهيات ، والمعاد ، والنبوات ، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى . فقوله :
الحمد لله رب العالمين [ الفاتحة : 2 ] . يدل على الإلهيات ، وقوله :
مالك يوم الدين يدل على
[ ص: 375 ] المعاد وقوله :
إياك نعبد وإياك نستعين يدل على نفي الخبر ، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره ، وقوله :
اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله وعلى النبوات . فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة وهذه السورة مشتملة عليها سميت
أم القرآن .
وقال
البيضاوي : هي مشتملة على الحكم النظرية ، والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم ، والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء .
وقال
الطيبي : هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين .
أحدها : علم الأصول ومعاقدة الله تعالى وصفاته ، وإليها الإشارة بقوله :
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ومعرفة النبوة وهي المرادة بقوله
أنعمت عليهم ومعرفة المعاد وهو المومئ إليه بقوله :
مالك يوم الدين .
وثانيها : علم الفروع ، وأسه العبادات ، وهو المراد بقوله
إياك نعبد
وثالثها : علم يحصل به الكمال وهو علم الأخلاق ، وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقه ، والاستقامة فيها وإليه الإشارة بقوله :
إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم .
ورابعها : علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة ، والقرون الخالية ، السعداء منهم والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم ، وهو المراد بقوله :
أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : مقاصد القرآن ستة : ثلاثة مهمة وثلاثة متمة .
الأولى : تعريف المدعو إليه كما أشير إليه بصدرها ، وتعريف الصراط المستقيم ، وقد صرح به فيها ، وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى وهو الآخرة ، كما أشير إليه ب
مالك يوم الدين والأخرى تعريف أحوال المطيعين كما أشير إليه بقوله :
الذين أنعمت عليهم وحكاية أقوال الجاحدين وقد أشير إليها ب
المغضوب عليهم ولا الضالين وتعريف
[ ص: 376 ] منازل الطريق كما أشير إليه بقوله :
إياك نعبد وإياك نستعين انتهى .
ولا ينافي هذا وصفها في الحديث الآخر بكونها ثلثي القرآن; لأن بعضهم وجهه بأن دلالات القرآن العظيم : إما أن تكون بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام ، وهذه السورة تدل جميع مقاصد القرآن بالتضمن والالتزام دون المطابقة ، والاثنان من الثلاثة ثلثان . ذكره
الزركشي في شرح التنبيه ،
وناصر الدين بن الميلق .
قال : وأيضا الحقوق ثلاثة : حق الله على عباده ، وحق العباد على الله ، وحق بعض العباد على بعض ، وقد اشتملت الفاتحة صريحا على الحقين الأولين فناسب كونها بصريحها ثلثين . وحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=979828قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين شاهد لذلك .
قلت : ولا تنافي أيضا بين كون
الفاتحة أعظم السور ، وبين الحديث الآخر
أن البقرة أعظم السور; لأن المراد به ما عدا الفاتحة من السور التي فصلت فيها الأحكام ، وضربت الأمثال ، وأقيمت الحجج ، إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه ولذلك سميت فسطاط القرآن .
قال
ابن العربي في أحكامه : سمعت بعض أشياخي يقول : فيها ألف أمر ، وألف نهي ، وألف حكم ، وألف خبر ، ولعظيم فقهها أقام
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ثماني سنين على تعليمها . أخرجه
مالك في الموطأ .
وقال
ابن العربي أيضا : إنما صارت آية الكرسي أعظم الآيات لعظم مقتضاها ، فإن الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه وتعلقاته ، وهي في آي القرآن كسورة الإخلاص في سوره ، إلا أن سورة الإخلاص تفضلها بوجهين .
أحدهما : أنها سورة ، وهذه آية ، والسورة أعظم لأنه وقع التحدي بها ، فهي أفضل من الآية التي لم يتحد بها .
والثاني : أن سورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا ، وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفا ، فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معنى معبر عنه
[ ص: 377 ] بخمسين حرفا ، ثم يعبر عنه بخمسة عشر ، وذلك بيان لعظيم القدرة والانفراد بالوحدانية .
وقال
ابن المنير : اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية من أسماء الله تعالى ، وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ، ومستكنا في بعض ، وهي : الله ، هو ، الحي ، القيوم ، ضمير لا تأخذه ، وله ، وعنده ، وبإذنه ، ويعلم ، وعلمه ، وشاء ، وكرسيه ، ويئوده ، ضمير " حفظهما " ، المستتر الذي هو فاعل المصدر ، وهو ، العلي ، العظيم .
وإن عددت الضمائر المتحملة في : الحي ، القيوم ، العلي ، العظيم ، والضمير المقدر قبل " الحي " على أحد الأعاريب صارت اثنين وعشرين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : إنما كانت
آية الكرسي سيدة الآيات لأنها اشتملت على ذات الله وصفاته وأفعاله فقط ، ليس فيها غير ذلك ، ومعرفة ذلك هو المقصود الأقصى في العلوم ، وما عداه تابع له ، والسيد اسم للمتبوع المقدم ، فقوله : الله إشارة إلى الذات
لا إله إلا هو إشارة إلى توحيد الذات
الحي القيوم إشارة إلى صفة الذات وجلاله ، فإن معنى القيوم الذي يقوم بنفسه ، ويقوم به غيره ، وذلك غاية الجلال والعظمة .
لا تأخذه سنة ولا نوم تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث ، والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة
له ما في السماوات وما في الأرض إشارة إلى الأفعال كلها ، وأن جميعها منه وإليه
من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه إشارة إلى انفراده بالملك والحكم بالأمر ، وأن من يملك الشفاعة إنما يملكها بتشريفه إياه والإذن فيها ، وهذا نفي الشركة عنه في الحكم ، والأمر
يعلم ما بين أيديهم إلى قوله " شاء " إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات ، والانفراد بالعلم حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه ، على قدر مشيئته وإرادته
وسع كرسيه السماوات والأرض إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته .
ولا يئوده حفظهما إشارة إلى صفة القدرة وكمالها ، وتنزيهها عن الضعف والنقصان .
وهو العلي العظيم إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات .
فإذا تأملت هذه المعاني ، ثم تلوت جميع آي القرآن لم تجد جملتها مجموعة في آية واحدة ، فإن
شهد الله [ آل عمران : 18 ] . ليس فيها إلا التوحيد ، وسورة الإخلاص ليس فيها إلا التوحيد والتقديس ، و
قل اللهم مالك الملك ليس فيها إلا الأفعال ،
[ ص: 378 ] والفاتحة فيها الثلاثة ، لكن غير مشروحة بل مرموزة ، والثلاثة مجموعة مشروحة في آية الكرسي .
والذي يقرب منها في جمعها آخر الحشر وأول الحديد ، ولكنها آيات لا آية واحدة ، فإذا قابلت آية الكرسي ، بإحدى تلك الآيات ، وجدتها أجمع للمقاصد ، فلذلك استحقت السيادة على الآي ، كيف وفيها الحي القيوم وهو الاسم الأعظم كما ورد به الخبر انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي .
ثم قال : إنما قال صلى الله عليه وسلم في الفاتحة : أفضل ، وفي أية الكرسي : سيدة ، لسر وهو أن الجامع بين فنون الفضل وأنواعها الكثيرة يسمى أفضل ، فإن الفضل هو الزيادة والأفضل هو الأزيد . وأما السؤدد فهو رسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ، ويأبى التبعية ، والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ، ومعارف مختلفة ، فكانت أفضل ، وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى ، التي هي المقصودة المتبوعة التي تتبعها سائر المعارف ، فكان اسم السيد بها أليق . انتهى .
ثم قال في حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979830قلب القرآن يس إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر ، وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه ، فجعلت قلب القرآن لذلك ، واستحسنه
الإمام فخر الدين .
وقال
النسفي : يمكن أن يقال : إن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة : الوحدانية والرسالة والحشر ، وهو القدر الذي يتعلق بالقلب والجنان . وأما الذي باللسان والأركان ففي غير هذه السورة ، فلما كان فيها أعمال القلب لا غير سماها قلبا ، ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر ، لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة والأعضاء
[ ص: 379 ] ساقطة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى ، ورجع عما سواه ، فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه ، ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة . انتهى .
اختلف الناس في
معنى كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ، فقيل : كأنه صلى الله عليه وسلم سمع شخصا يكررها تكرار من يقرأ ثلث القرآن ، فخرج الجواب على هذا وفيه بعد عن ظاهر الحديث ، وسائر طرق الحديث ترده .
وقيل : لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات ، وسورة الإخلاص كلها صفات فكانت ثلثا بهذا الاعتبار .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في الجواهر : معارف القرآن المهمة ثلاثة : معرفة التوحيد ، والصراط المستقيم ، والآخرة ، وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثا .
وقال أيضا فيما نقله عنه
الرازي : القرآن يشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته : إما صفات الحقيقة ، وإما صفات الفعل ، وإما صفات الحكم ، فهذه أمور ثلاثة ، وهذه السورة تشتمل على صفات الحقيقة فهي ثلث .
وقال
الخويي : المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة التي بها يصح الإسلام ، ويحصل الإيمان ، وهي : معرفة الله ، والاعتراف بصدق رسوله ، واعتقاده القيام بين يدي الله تعالى ، فإن من عرف أن الله واحد ، وأن النبي صادق ، وأن الدين واقع ، صار مؤمنا حقا ، ومن أنكر شيئا منها كفر قطعا ، وهذه السورة تفيد الأصل الأول ، فهي ثلث القرآن من هذا الوجه .
وقال غيره : القرآن قسمان : خبر وإنشاء . والخبر قسمان : خبر عن الخالق ، وخبر عن المخلوق فهذه ثلاثة أثلاث . وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق ، فهي بهذا الاعتبار ثلث .
وقيل : تعدل في الثواب ، وهو الذي يشهد له ظاهر الحديث ، والأحاديث الواردة في سورة الزلزلة والنصر والكافرون ، لكن ضعف
ابن عقيل ذلك وقال : لا يجوز أن يكون
[ ص: 380 ] المعنى فله أجر ثلث القرآن ، لقوله : من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم ، ثم أسند إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور ، قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بن حنبل : قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979814قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن . ما وجهه ؟ فلم يقم لي فيها على أمر .
وقال لي
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه : معناه أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام ، جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب لمن قرأه ، تحريضا على تعليمه ، لا أن من قرأ
قل هو الله أحد ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه ، هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : فهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة .
وقال
ابن الميلق في حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979831إن الزلزلة نصف القرآن لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة ، وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلها إجمالا ، وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث الأخبار .
وأما تسميتها في الحديث الآخر ربعا ، فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان ، في الحديث الذي رواه
الترمذي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979832لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن .
وقال أيضا في
سر كون ألهاكم تعدل ألف آية : إن القرآن ستة آلاف آية ،
[ ص: 381 ] ومائتا آية وكسر ، فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن ، وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن ، فإنها فيما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ستة : ثلاث مهمة ، وثلاث متمة ، - وتقدمت - وأحدها معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة ، والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل وأضخم من التعبير بالسدس .
وقال أيضا في
سر كون سورة الكافرون ربعا ، وسورة الإخلاص ثلثا ، مع أن كلا منهما يسمى الإخلاص : أن سورة الإخلاص اشتملت من صفات الله على ما لم تشتمل عليه الكافرون .
وأيضا فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ، ونفي إلهية ما سواه ، وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ، ولوحت إلى نفي عبادة غيره ، والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس ، فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع انتهى .
تذنيب : ذكر كثيرون في أثر : أن الله جمع علوم الأولين والآخرين في الكتب الأربعة وعلومها في القرآن ، وعلومه في الفاتحة فزادوا : وعلوم الفاتحة في البسملة ، وعلوم البسملة في بائها .
ووجه بأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب ، وهذه الباء باء الإلصاق ، فهي تلصق العبد بجناب الرب ، وذلك كمال المقصود . ذكره
الإمام الرازي وابن النقيب في تفسيرهما .