تنبيهات :
الأول : قولهم : لا يجوز
الوقف على المضاف دون المضاف إليه ، وهكذا .
قال
ابن الجزري : إنما يريدون به الجواز الأدائي ، وهو الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة ، ولا يريدون بذلك أنه حرام ولا مكروه ، اللهم إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن وخلاف المعنى الذي أراده الله ، فإنه يكفر فضلا ، عن أن يأثم .
الثاني : قال
ابن الجزري - أيضا - :
ليس كل ما يتعسفه بعض المعربين أو يتكلفه بعض القراء ، أو يتأوله بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفا وابتداء ينبغي أن يتعمد الوقف عليه ، بل ينبغي تحري المعنى الأتم ، والوقف الأوجه ; وذلك نحو : الوقف على : (
وارحمنا أنت ) والابتداء (
مولانا فانصرنا ) [ البقرة : 286 ] على معنى النداء .
ونحو :
ثم جاءوك يحلفون ويبتدئ
بالله إن أردنا [ النساء : 62 ] .
ونحو :
يابني لا تشرك [ لقمان : 13 ] ويبتدئ :
بالله إن الشرك على معنى القسم .
ونحو :
وما تشاءون إلا أن يشاء ويبتدئ
الله رب العالمين [ التكوير : 29 ] .
ونحو : (
فلا جناح ) ويبتدئ
عليه أن يطوف بهما [ البقرة : 158 ] فكله تعسف وتمحل وتحريف للكلم ، عن مواضعه .
الثالث :
يغتفر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك ، وفي حالة جمع القراءات ، وقراءة التحقيق والتنزيل ما لا يغتفر في غيرها ، فربما أجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر ، ولو كان لغير ذلك لم يبح ، وهذا الذي سماه
السجاوندي المرخص ضرورة ، ومثله بقوله :
والسماء بناء [ البقرة : 22 ] .
قال
ابن الجزري : والأحسن تمثيله بنحو :
قبل المشرق والمغرب [ البقرة : 177 ] ،
[ ص: 286 ] وبنحو : (
والنبيين ) [ البقرة : 177 ] وبنحو :
وأقام الصلاة وآتى الزكاة [ البقرة : 177 ] ، وبنحو :
عاهدوا [ البقرة : 177 ] وبنحو : كل من فواصل :
قد أفلح المؤمنون [ المؤمنون : 1 ] إلى آخر القصة .
وقال صاحب " المستوفى " : النحويون يكرهون
الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التام ، فإن طال الكلام ولم يوجد فيه وقف تام ، حسن الأخذ بالناقص ، كقوله : (
قل أوحي ) إلى قوله :
فلا تدعوا مع الله أحدا إن كسرت بعده إن ، وإن فتحتها فإلى قوله :
كادوا يكونون عليه لبدا [ الجن : 1 - 19 ] .
قال : ويحسن
الوقف الناقص أمور :
منها : أن يكون لضرب من البيان ، كقوله :
ولم يجعل له عوجا فإن الوقف هنا يبين أن قيما [ الكهف : 1 - 2 ] منفصل عنه ، وأنه حال في نية التقديم . وكقوله :
وبنات الأخت [ النساء : 23 ] ليفصل به بين التحريم النسبي والسببي .
ومنها : أن يكون الكلام مبنيا على الوقف ، نحو :
ياليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه [ الحاقة : 25 - 26 ] .
قال
ابن الجزري : وكما اغتفر الوقف لما ذكر ، قد لا يغتفر ولا يحسن فيما قصر من الجمل ، وإن لم يكن التعلق لفظيا ، نحو :
ولقد آتينا موسى الكتاب ،
وآتينا عيسى ابن مريم البينات [ البقرة : 87 ] لقرب الوقف على ( بالرسل ) [ البقرة : 87 ] وعلى ( القدس ) [ البقرة : 87 ] .
وكذا
يراعى في الوقف الازدواج ، فيوصل ما يوقف على نظيره مما يوجد التمام عليه وانقطع تعلقه بما بعده لفظا ، وذلك من أجل ازدواجه ، نحو :
لها ما كسبت ولكم ما كسبتم [ البقرة : 134 ] ونحو :
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه [ البقرة : 203 ] مع
ومن تأخر فلا إثم عليه . ونحو :
يولج الليل في النهار مع
ويولج النهار في الليل [ فاطر : 13 ] ونحو :
من عمل صالحا فلنفسه مع
ومن أساء فعليها [ فصلت : 46 ] .
الرابع :
قد يجيزون الوقف على حرف وعلى آخر ، ويكون بين الوقفين مراقبة على التضاد فإذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر كمن أجاز الوقف على :
لا ريب فإنه لا يجيزه على
فيه والذي يجيزه على
فيه لا يجيزه على
لا ريب [ البقرة : 2 ] .
[ ص: 287 ] وكالوقف على :
ولا يأب كاتب أن يكتب فإن بينه وبين
كما علمه الله [ البقرة : 282 ] مراقبة . والوقف على :
وما يعلم تأويله إلا الله فإن بينه وبين
والراسخون في العلم [ آل عمران : 7 ] مراقبة .
قال
ابن الجزري : وأول من نبه على المراقبة في الوقف
أبو الفضل الرازي ، أخذه من المراقبة في العروض .
الخامس : قال
ابن مجاهد :
لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحوي عالم بالقراءات ، عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض ، عالم باللغة التي نزل بها القرآن .
وقال غيره : وكذا علم الفقه ، ولهذا من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب يقف عند قوله :
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا [ النور : 4 ] وممن صرح بذلك
النكزاوي ، فقال في كتاب الوقف : لا بد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين في الفقه ; لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء ; لأن في القرآن مواضع ينبغي الوقف على مذهب بعضهم ، ويمتنع على مذهب آخرين .
فأما احتياجه إلى علم النحو وتقديراته : فلأن من جعل
ملة أبيكم إبراهيم [ الحج : 78 ] منصوبا على الإغراء وقف على ما قبله ، أما إذا عمل فيه ما قبله فلا .
وأما احتياجه إلى القراءات : فلما تقدم من أن الوقف قد يكون تاما على قراءة غير تام على أخرى .
وأما احتياجه إلى التفسير فلأنه إذا وقف على :
فإنها محرمة عليهم أربعين سنة [ المائدة : 26 ] كان المعنى : إنها محرمة عليهم هذه المدة ، وإذا وقف على ( عليهم ) كان المعنى إنها محرمة عليهم أبدا ، وأن التيه أربعين ; فرجع هذا إلى التفسير وقد تقدم أيضا أن الوقف - يكون - تاما على تفسير وإعراب ، غير تام على تفسير وإعراب آخر .
وأما احتياجه إلى المعنى : فضرورة ; لأن معرفة مقاطع الكلام إنما تكون بعد معرفة معناه ، كقوله :
ولا يحزنك قولهم إن العزة لله [ يونس : 65 ] فقوله : (
إن العزة ) استئناف ، لا مقولهم . وقوله :
فلا يصلون إليكما بآياتنا ويبتدئ (
أنتما ) [ القصص : 35 ] .
وقال الشيخ
عز الدين : الأحسن الوقف على إليكما ; لأن إضافة الغلبة إلى الآيات
[ ص: 288 ] أولى من إضافة عدم الوصول إليها ; لأن المراد بالآيات العصا وصفاتها ، وقد غلبوا بها السحرة ، ولم تمنع عنهم فرعون .
وكذا الوقف على قوله :
ولقد همت به ويبتدئ (
وهم بها ) [ يوسف : 24 ] على أن المعنى :
لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فقدم جواب لولا ويكون همه منتفيا ، فعلم بذلك أن معرفة المعنى أصل في ذلك كبير .
السادس : حكى
nindex.php?page=showalam&ids=12986ابن برهان النحوي ، عن
أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة : أنه ذهب إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام والناقص والحسن والقبيح وتسميته بذلك بدعة ، ومتعمد الوقوف على نحوه مبتدع ; قال : لأن القرآن معجز ، وهو كاللفظة الواحدة فكله قرآن ، وبعضه قرآن ، وكله تام حسن ، وبعضه تام حسن .
السابع :
لأئمة القراء مذاهب في الوقف والابتداء .
فنافع : كان يراعي تجانسهما بحسب المعنى .
وابن كثير وحمزة : حيث ينقطع النفس ، واستثنى
ابن كثير :
وما يعلم تأويله إلا الله [ آل عمران : 7 ] .
وما يشعركم [ الأنعام : 109 ] .
إنما يعلمه بشر [ النحل : 103 ] فتعمد الوقف عليها .
وعاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : حيث تم الكلام .
وأبو عمرو يتعمد رءوس الآي ، ويقول : هو أحب إلي ، فقد قال بعضهم : إن الوقف عليه سنة .
وقال
البيهقي في " الشعب " وآخرون : الأفضل الوقف على رءوس الآيات ، وإن تعلقت بما بعدها اتباعا لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته .
روى
أبو داود وغيره : عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية ، يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يقف
الحمد لله رب العالمين ، ثم يقف
الرحمن الرحيم ، ثم يقف .
الثامن : الوقف والقطع والسكت . عبارات يطلقها المتقدمون غالبا مرادا بها الوقف . والمتأخرون فرقوا فقالوا :
[ ص: 289 ] القطع : عبارة ، عن قطع القراءة رأسا ، فهو كالانتهاء ، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة ، والمنتقل إلى حالة أخرى غيرها ، وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة ، ولا يكون إلا على رأس آية ; لأن رءوس الآي في نفسها مقاطع .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في سننه : حدثنا
أبو الأحوص ، عن
أبي سنان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16401ابن أبي الهذيل أنه قال : كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآيات ويدعوا بعضها . إسناده صحيح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16401وعبد الله بن أبي الهذيل تابعي كبير ، وقوله : ( كانوا ) يدل على أن الصحابة كانوا يكرهون ذلك .
والوقف : عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة ، بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض ، ويكون في رءوس الآي وأوساطها ولا يأتي في وسط الكلمة ، ولا فيما اتصل رسما .
والسكت : عبارة عن قطع الصوت زمنا ، هو دون زمن الوقف عادة ، من غير تنفس . واختلاف ألفاظ الأئمة في التأدية عنه مما يدل على طوله وقصره : فعن
حمزة في السكت على الساكن قبل الهمزة سكتة يسيرة . وقال
الأشناني : قصيرة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : سكتة مختلسة من غير إشباع . وقال
ابن غلبون : وقفة يسيرة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي : وقفة خفيفة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13269ابن شريح : وقيفة . وعن
قتيبة من غير قطع نفس . وقال
الداني : سكتة لطيفة من غير قطع . وقال
الجعبري : قطع الصوت زمنا قليلا أقصر من زمن إخراج النفس لأنه إن طال صار وقفا . في عبارات أخر . قال
ابن الجزري : والصحيح أنه مقيد بالسماع والنقل ، ولا يجوز إلا فيما صحت الرواية به ، لمعنى مقصود بذاته . وقيل : يجوز في رءوس الآي مطلقا حالة الوصل ، لقصد البيان . وحمل بعضهم الحديث الوارد على ذلك .