[ ص: 295 ] النوع التاسع والعشرون .
في
بيان الموصول لفظا المفصول معنى .
هو نوع مهم جدير أن يفرد بالتصنيف ، وهو أصل كبير في الوقف ; ولهذا جعلته عقبه . وبه يحصل حل إشكالات وكشف معضلات كثيرة :
من ذلك قوله تعالى :
هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها إلى قوله :
جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون [ الأعراف : 189 - 190 ] ;فإن الآية في قصة
آدم وحواء كما يفهمه السياق ، وصرح به في حديث أخرجه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي - وحسنه -
والحاكم - وصححه - من طريق
الحسن عن
سمرة مرفوعا .
وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم وغيره بسند صحيح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
لكن آخر الآية مشكل ، حيث نسب الإشراك إلى
آدم وحواء ،
وآدم نبي مكلم ، والأنبياء معصومون من الشرك قبل النبوة وبعدها إجماعا ، وقد جر ذلك بعضهم إلى حمل الآية على غير
آدم وحواء ، وأنها في رجل وزوجته كانا من أهل الملك ، وتعدى إلى تعليل الحديث والحكم بنكارته .
[ ص: 296 ] وما زلت في وقفة من ذلك حتى رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم قال : أخبرنا
أحمد بن عثمان بن حكيم ، حدثنا
أحمد بن مفضل ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله :
فتعالى الله عما يشركون قال : هذه فصل من آية
آدم ، خاصة في آلهة العرب .
وقال
عبد الرزاق : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، سمعت
صدقة بن عبد الله بن كثير المكي يحدث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : هذا هو الموصول المفصول .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
محمد بن أبي حماد ، حدثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك ، قال : هذه مفصولة ، إطاعة في الولد
فتعالى الله عما يشركون هذه لقوم
محمد .
فانحلت عني هذه العقدة ، وانجلت لي هذه المعضلة ، واتضح بذلك أن آخر قصة
آدم وحواء فيما آتاهما وأن ما بعده تخلص إلى قصة العرب ، وإشراكهم الأصنام .
ويوضح ذلك تغيير الضمير إلى الجمع بعد التثنية ، ولو كانت القصة واحدة لقال : ( عما يشركان ) كقوله :
دعوا الله ربهما . .
فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما [ الأعراف : 189 - 190 ] ، وكذلك الضمائر في قوله بعده :
أيشركون ما لا يخلق شيئا [ الأعراف : 191 ] وما بعده إلى آخر الآيات
وحسن التخلص والاستطراد من أساليب القرآن .
من ذلك قوله تعالى :
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون [ آل عمران : 7 ] الآية ، فإنه على تقدير الوصل يكون ، ( الراسخون يعلمون تأويله ) وعلى تقدير الفصل بخلافه .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
أبي الشعثاء ،
وأبي نهيك ، قالا : إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة .
ويؤيد ذلك كون الآية دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ .
ومن ذلك قوله تعالى :
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا [ النساء : 101 ] فإن ظاهر الآية يقتضي أن القصر مشروط بالخوف ، وأنه لا قصر مع الأمن ، وقد قال به لظاهر الآية جماعة منهم
عائشة ، لكن بين سبب
[ ص: 297 ] النزول أن هذا من الموصول المفصول . فأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من حديث
علي :
سأل قوم من التجار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض ، فكيف نصلي فأنزل الله : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة [ النساء : 101 ] ، ثم انقطع الوحي ، فلما كان بعد ذلك بحول ، غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى الظهر .
فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم .
فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في أثرها . فأنزل الله بين الصلاتين إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إلى قوله : عذابا مهينا [ النساء : 101 ] فنزلت صلاة الخوف .
فتبين بهذا الحديث أن قوله : إن خفتم شرط فيما بعده ، وهو صلاة الخوف لا صلاة القصر ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير . هذا تأويل في الآية حسن لو لم يكن في الآية ( إذا ) .
قال
ابن الفرس : ويصح مع ( إذا ) على جعل الواو زائدة .
قلت : يعني ويكون من اعتراض الشرط على الشرط ، وأحسن منه أن تجعل إذا زائدة بناء على قول من يجيز زيادتها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في كتابه التفسير : قد تأتي العرب بكلمة إلى جانب أخرى كأنها معها ، وهي غير متصلة بها ، وفي القرآن :
يريد أن يخرجكم من أرضكم [ الأعراف : 110 ] هذا قول الملأ ، فقال فرعون :
فماذا تأمرون [ الأعراف : 110 ] .
ومثله :
أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين انتهى كلامها ، فقال
يوسف :
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب [ يوسف : 51 - 52 ] .
[ ص: 298 ] ومثله :
إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة هذا منتهى قولها ، فقال تعالى :
وكذلك يفعلون [ النمل : 34 ] .
ومثله :
من بعثنا من مرقدنا انتهى قول الكفار ، فقالت الملائكة
هذا ما وعد الرحمن .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
قتادة في هذه الآية قال : آية من كتاب الله أولها أهل الضلالة وآخرها أهل الهدى ، قالوا :
ياويلنا من بعثنا من مرقدنا [ يس : 52 ] هذا قول أهل النفاق وقال أهل الهدى حين بعثوا من قبورهم
هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون .
وأخرج عن
مجاهد قوله :
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون [ الأنعام : 109 ] قال : وما يدريكم أنهم يؤمنون إذا جاءت ؟ ثم استقبل بخبر فقال :
أنها إذا جاءت لا يؤمنون .