قال تعالى : (
والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( 135 ) ) .
قوله تعالى : (
والذين إذا فعلوا ) : يجوز أن يكون معطوفا على الذين ينفقون في أوجهه الثلاثة . ويجوز أن يكون مبتدأ ويكون أولئك مبتدأ ثانيا ، وجزاؤهم ثالثا ، ومغفرة خبر الثالث ، والجميع خبر الذين . و ( ذكروا ) : جواب إذا . ( ومن ) : مبتدأ ، و ( يغفر ) : خبره . ( إلا الله ) : فاعل يغفر ، أو بدل من المضمر فيه ، وهو الوجه ، لأنك إذا جعلت الله فاعلا احتجت إلى تقدير ضمير ; أي ومن يغفر الذنوب له غير الله . ( وهم يعلمون ) : في موضع الحال من الضمير في يصروا ، أو من الضمير في استغفروا ، ومفعول يعلمون محذوف ; أي يعلمون المؤاخذة بها ، أو عفو الله عنها .
قال تعالى : (
أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ( 136 ) ) .
قوله تعالى : (
ونعم أجر ) : المخصوص بالمدح محذوف ; أي ونعم الأجر الجنة .
قال تعالى : (
قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 137 ) ) .
قوله تعالى : (
من قبلكم سنن ) : يجوز أن يتعلق بخلت ، وأن يكون حالا من سنن ، ودخلت الفاء في " سيروا " ; لأن المعنى على الشرط ; أي إن شككتم فسيروا . ( كيف ) : خبر " كان " و " عاقبة " اسمها .
قال تعالى : (
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( 139 ) ) .
قوله تعالى : (
ولا تهنوا ) : الماضي وهن ، وحذفت الواو في المضارع لوقوعها بين ياء وكسرة ، و (
الأعلون ) : واحدها أعلى ، حذفت منه الألف لالتقاء الساكنين ، وبقيت الفتحة تدل عليها .
[ ص: 234 ] قال تعالى : (
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ( 140 )
وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ( 141 ) ) .
قوله تعالى : (
قرح ) : يقرأ بفتح القاف وسكون الراء ، وهو مصدر قرحته إذا جرحته ، ويقرأ بضم القاف وسكون الراء ، وهو بمعنى الجرح أيضا ، وقال
الفراء : بالضم : ألم الجراح . ويقرأ بضمهما على الإتباع كاليسر واليسر ، والطنب والطنب ، ويقرأ بفتحها ، وهو مصدر قرح يقرح إذا صار له قرحة ، وهو بمعنى دمي . ( وتلك ) : مبتدأ ، و ( الأيام ) : خبره ، و ( نداولها ) : جملة في موضع الحال ، والعامل فيها معنى الإشارة ، ويجوز أن تكون الأيام بدلا ، أو عطف بيان ، ونداولها الخبر ، ويقرأ يداولها بالياء ، والمعنى مفهوم . و (
بين الناس ) : ظرف . ويجوز أن يكون حالا من الهاء . ( وليعلم ) : اللام متعلقة بمحذوف ; تقديره : وليعلم الله دوالها . وقيل : التقدير : ليتعظوا وليعلم الله . وقيل : الواو زائدة . و ( منكم ) : يجوز أن يتعلق بيتخذ ، ويجوز أن يكون حالا من " شهداء " (
وليمحص ) : معطوف على " وليعلم " .
قال تعالى : (
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ( 142 ) ) .
قوله تعالى : (
أم حسبتم ) : أم هنا منقطعة ; أي بل أحسبتم و (
أن تدخلوا ) : أن والفعل يسد مسد المفعولين ، وقال
الأخفش المفعول الثاني محذوف . (
ويعلم الصابرين ) : يقرأ بكسر الميم عطفا على الأولى ، وبضمها على تقدير : وهو يعلم ، والأكثر في القراءة الفتح ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه مجزوم أيضا ، لكن الميم لما حركت لالتقاء الساكنين حركت بالفتح إتباعا للفتحة قبلها . والوجه الثاني : أنه منصوب على إضمار أن ، والواو هاهنا بمعنى الجمع ، كالتي في قولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن . والتقدير : أظننتم أن تدخلوا الجنة قبل أن يعلم الله المجاهدين ، وأن يعلم الصابرين ، ويقرب عليك هذا المعنى أنك لو قدرت الواو بمع صح المعنى والإعراب .
قال تعالى : (
ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ( 143 ) ) .
قوله تعالى : (
من قبل أن تلقوه ) : الجمهور على الجر بمن وإضافته إلى الجملة .
[ ص: 235 ] وقرئ بضم اللام ; والتقدير : ولقد كنتم تمنون الموت أن تلقوه من قبل ، فأن تلقوه بدل من الموت بدل الاشتمال ، والمراد لقاء أسباب الموت ; لأنه قال : "
فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " وإذا رأى الموت لم تبق بعده حياة ، ويقرأ : " تلاقوه " وهو من المفاعلة التي تكون بين اثنين ; لأن ما لقيك فقد لقيته ويجوز أن تكون من واحد مثل سافرت .