قال تعالى : (
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ( 154 ) ) .
قوله تعالى : (
أمنة ) : المشهور في القراءة فتح الميم ، وهو اسم للأمن ، ويقرأ بسكونها ، وهو مصدر مثل الأمر ، و (
نعاسا ) : بدل ويجوز أن يكون عطف بيان ، ويجوز أن يكون نعاسا هو المفعول ، وأمنة حال منه ، والأصل أنزل عليكم نعاسا ذا أمنة ; لأن النعاس ليس هو الأمن ; بل هو الذي حصل الأمن به . ويجوز أن يكون أمنة مفعولا . (
يغشى ) : يقرأ بالياء على أنه النعاس ، وبالتاء للأمنة ، وهو في موضع نصب صفة لما قبله . و (
طائفة ) : مبتدأ ، و (
قد أهمتهم ) : خبره : " يظنون " حال من الضمير في أهمتهم ، ويجوز أن يكون أهمتهم صفة ، ويظنون الخبر ، والجملة حال ، والعامل يغشى ، وتسمى هذه الواو واو الحال . وقيل : الواو بمعنى إذ وليس بشيء .
[ ص: 240 ] و (
غير الحق ) : المفعول الأول ; أي أمرا غير الحق ، وبالله الثاني . و (
ظن الجاهلية ) : مصدر تقديره : ظنا يمثل ظن الجاهلية . (
من شيء ) : من زائدة ، وموضعه رفع بالابتداء ، وفي الخبر وجهان : أحدهما : لنا ، فمن الأمر على هذا حال; إذ الأصل هل شيء من الأمر . والثاني : أن يكون من الأمر هو الخبر ، ولنا تبيين ، وتتم الفائدة كقوله : (
ولم يكن له كفوا أحد ) [ الإخلاص : 4 ] . (
كله لله ) : يقرأ بالنصب على التوكيد ، أو البدل ، ولله الخبر ، وبالرفع على الابتداء ، ولله الخبر ، والجملة خبر إن . (
يقولون ) : حال من الضمير في يخفون و (
شيء ) : اسم كان ، والخبر لنا ، أو من الأمر مثل : " هل لنا " . (
لبرز الذين ) : بالفتح والتخفيف ويقرأ بالتشديد على ما لم يسم فاعله ; أي أخرجوا بأمر الله .
قال تعالى : (
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ( 156 ) ) .
قوله تعالى : (
إذا ضربوا في الأرض ) : يجوز أن تكون إذا هنا يحكى بها حالهم ، فلا يراد بها المستقبل لا محالة ، فعلى هذا يجوز أن يعمل فيها قالوا وهو للماضي ، ويجوز أن يكون كفروا ، وقالوا ماضيين . ويراد بها المستقبل المحكي به الحال ; فعلى هذا يكون التقدير : يكفرون ويقولون لإخوانهم . (
أو كانوا غزى ) : الجمهور على تشديد الزاي ، وهو جمع غاز ، والقياس غزاة ، كقاض وقضاة ، لكنه جاء على فعل حملا على الصحيح ; نحو شاهد وشهد وصائم وصوم . ويقرأ بتخفيف الزاي ، وفيه وجهان : أحدهما : أن أصله غزاة ، فحذفت الهاء تخفيفا ; لأن التاء دليل الجمع ، وقد حصل ذلك من نفس الصفة . والثاني : أنه أراد قراءة الجماعة ، فحذف إحدى الزايين كراهية التضعيف . ليجعل الله : اللام تتعلق بمحذوف ; أي ندمهم أو أوقع في قلوبهم ذلك ليجعله حسرة ، وجعل هنا بمعنى صير ، وقيل : اللام هنا لام العاقبة ; أي صار أمرهم إلى ذلك كقوله : (
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا ) .
[ ص: 241 ] قال تعالى : (
ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ( 157 ) ) .
قوله تعالى : (
أو متم ) : الجمهور على ضم الميم ، وهو الأصل ; لأن الفعل منه يموت ، ويقرأ بالكسر ، وهو لغة ، يقال : مات يمات ; مثل خاف يخاف ، فكما تقول خفت تقول مت . (
لمغفرة ) : مبتدأ ، و (
من الله ) : صفته . (
ورحمة ) : معطوف عليه . والتقدير : ورحمة لهم . و " خير " الخبر وما بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف . ويجوز أن تكون مصدرية ، ويكون المفعول محذوفا ; أي من جمعهم المال .
قال تعالى : (
ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ( 158 ) ) .
قوله تعالى : (
لإلى الله ) : اللام جواب قسم محذوف ، ولدخولها على حرف الجر جاز أن يأتي " يحشرون " غير مؤكد بالنون ، والأصل لتحشرون إلى الله .
قال تعالى : (
فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ( 159 ) ) .
قوله تعالى : (
فبما رحمة ) : ما زائدة ، وقال
الأخفش وغيره : يجوز أن تكون نكرة بمعنى شيء ، و ( رحمة ) بدل منه ، والباء تتعلق بـ " لنت " (
وشاورهم في الأمر ) : الأمر هنا جنس وهو عام يراد به الخاص ; لأنه لم يؤمر بمشاورتهم في الفرائض ، ولذلك قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : في بعض الأمر . (
فإذا عزمت ) : الجمهور على فتح الزاي ; أي إذا تخيرت أمرا بالمشاورة وعزمت على فعله " فتوكل على الله " ويقرأ بضم التاء ; أي إذا أمرتك بفعل شيء ، فتوكل علي ، فوضع الظاهر موضع المضمر .
[ ص: 242 ] قال تعالى : (
إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 160 ) ) .
قوله تعالى : (
فمن ذا الذي ) : هو مثل : " من ذا الذي يقرض " وقد ذكر ، ( من بعده ) : أي من بعد خذلانه ، فحذف المضاف ، ويجوز أن تكون الهاء ضمير الخذلان أي بعد الخذلان .