صفحة جزء
قال تعالى : ( قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) ( 22 ) .

قوله تعالى : ( فإنا داخلون ) : أي : داخلوها ، فحذف المفعول لدلالة الكلام عليه .

قال تعالى : ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) ( 23 ) .

قوله تعالى : ( من الذين يخافون ) : في موضع رفع صفة لرجلين ، ويخافون صلة الذين ، والواو العائد ، ويقرأ بضم الياء على ما لم يسم فاعله ، وله معنيان : أحدهما : هو من قولك : خيف الرجل ؛ أي : خوف . والثاني : أن يكون المعنى يخافهم غيرهم ؛ كقولك : فلان مخوف ؛ أي : يخافه الناس . ( أنعم الله ) : صفة أخرى لرجلين ، ويجوز أن يكون حالا ، وقد معه مقدرة ، وصاحب الحال رجلان أو الضمير في الذين .

قال تعالى : ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ( 24 ) .

[ ص: 324 ] قوله تعالى : ( ما داموا ) : هو بدل من أبدا ؛ لأن ما مصدرية تنوب عن الزمان ، وهو بدل بعض . و ( هاهنا ) ظرف : لـ " قاعدون " ، والاسم " هنا " ، وها للتنبيه ؛ مثل التي في قولك : هذا ، وهؤلاء .

قال تعالى : ( قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) ( 25 ) .

قوله تعالى : ( وأخي ) : في موضعه وجهان : أحدهما : نصب عطفا على نفسي ، أو على اسم إن . والثاني : رفع عطفا على الضمير في أملك ؛ أي : ولا يملك أخي إلا نفسه ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ أي : وأخي كذلك . ( وبين القوم الفاسقين ) : الأصل أن لا تكرر بين ، وقد تكرر توكيدا ؛ كقولك : المال بين زيد وبين عمرو ، وكررت هنا لئلا يعطف على الضمير من غير إعادة الجار .

قال تعالى : ( قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ) ( 26 ) .

قوله تعالى : ( أربعين سنة ) : ظرف لمحرمة ، فالتحريم على هذا مقدر . و ( يتيهون ) : حال من الضمير المجرور . وقيل : هي ظرف لـ " يتيهون " ، فالتحريم على هذا غير مؤقت . ( فلا تأس ) : ألف تأسى بدل من واو ؛ لأنه من الأسى الذي هو الحزن ، وتثنيته أسوان ، ولا حجة في أسيت عليه ؛ لانكسار السين . ويقال : رجل أسوان بالواو . وقيل : هي من الياء ، يقال : رجل أسيان أيضا .

قال تعالى : ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ) ( 27 ) .

قوله تعالى : ( نبأ ابني آدم ) : الهمزة في " ابني " همزة وصل كما هي في الواحد ، فأما همزة أبناء في الجمع فهمزة قطع ؛ لأنها حادثة للجمع . ( إذ قربا ) : ظرف لـ " نبأ " ، أو حال منه ، ولا يكون ظرفا لـ " اتل " ، وبالحق حال من الضمير في " اتل " ؛ أي : محقا أو صادقا . ( قربانا ) : هو في الأصل مصدر ، وقد وقع هنا موضع المفعول به ، والأصل إذ قربا قربانين ، لكنه لم يثن ؛ لأن المصدر لا يثنى . وقال أبو علي : تقديره : إذ قرب كل واحد منهما قربانا ؛ كقوله : ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ) [ النور : 4 ] ؛ أي : كل واحد منهم . ( قال لأقتلنك ) ؛ أي : قال المردود عليه للمقبول منه . ومفعول ( يتقبل ) محذوف ؛ أي : يتقبل من المتقين قرابينهم وأعمالهم .

[ ص: 325 ] قال تعالى : ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ) ( 29 ) .

قوله تعالى : ( بإثمي وإثمك ) : في موضع الحال ؛ أي : ترجع حاملا للإثمين .

قال تعالى : ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) ( 30 ) .

قوله تعالى : ( فطوعت ) : الجمهور على تشديد الواو ، ويقرأ : " طاوعت " بالألف والتخفيف ، وهما لغتان ، والمعنى : زينت . قال قوم طاوعت تتعدى بغير لام وهذا خطأ ؛ لأن التي تتعدى بغير اللام تتعدى إلى مفعول واحد ، وقد عداه هاهنا إلى " قتل أخيه " . وقيل : التقدير : طاوعته نفسه على قتل أخيه ، فزاد اللام وحذف على .

قال تعالى : ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ) ( 31 ) .

قوله تعالى : ( كيف يواري ) : كيف في موضع الحال من الضمير في يواري ، والجملة في موضع نصب بيري ، والسوأة يجوز تخفيف همزتها بإلقاء حركتها على الواو ، فتبقى سواة أخيه ، ولا تقلب الواو ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها ؛ لأن حركتها عارضة ، والألف في ( ويلتى ) : بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتي احضري ، فهذا وقتك . ( فأواري ) : معطوف على " أكون " ، وذكر بعضهم أنه يجوز أن ينتصب على جواب الاستفهام ، وليس بشيء ، إذ ليس المعنى أيكون مني عجز فمواراة ؛ ألا ترى أن قولك : أين بيتك فأزورك ، معناه لو عرفت لزرت ، وليس المعنى هنا لو عجزت لواريت .

قال تعالى : ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) ( 32 ) .

قوله تعالى : ( من أجل ) : من تتعلق بـ " كتبنا " ولا تتعلق بالنادمين ؛ لأنه لا يحسن الابتداء بكتبنا هنا ، والهاء في ( إنه ) : للشأن . و ( من ) : شرطية ، و ( بغير ) : حال من الضمير في قتل ؛ أي : من قتل نفسا ظالما . ( أو فساد ) : معطوف على نفس . وقرئ في الشاذ بالنصب ؛ أي : أو عمل فسادا ، أو أفسد فسادا ؛ أي إفسادا ، فوضعه موضع المصدر مثل العطاء . و ( بعد ذلك ) : ظرف لـ " مسرفون " ، ولا تمنع لام التوكيد ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية