قال تعالى : (
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ( 13 ) ) .
قوله تعالى : (
وإذا قيل لهم آمنوا ) : القائم مقام المفعول هو القول ويفسره آمنوا لأن الأمر والنهي قول .
قوله : (
كما آمن الناس ) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ; أي إيمانا مثل إيمان الناس ; ومثله : كما آمن السفهاء .
قوله : (
السفهاء ألا إنهم ) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه : أحدها : تحقيقهما وهو الأصل .
والثاني : تحقيق الأولى ، وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالي الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا ; لانضمام الأولى ، والثالث : تليين الأولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو ، وتحقيق الثانية . والرابع : كذلك إلا أن الثانية واو .
[ ص: 32 ] ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ; لأن ذلك تقريب لها من الألف ; والألف لا يقع بعد الضمة والكسرة وأجازه قوم .
قال تعالى : (
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ( 14 )
الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ( 15 ) ) .
قوله تعالى : (
لقوا الذين آمنوا ) أصله لقيوا ، فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحركت القاف بالضم تبعا للواو .
وقيل : نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ، ثم حذفت .
وقرأ
ابن السميفع : لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله : (
اشتروا الضلالة ) .
قوله : (
خلوا إلى ) : يقرأ بتحقيق الهمزة ، وهو الأصل .
ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة ، وأصل خلوا خلووا ، فقلبت الواو الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت لئلا يلتقي ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة .
قوله : (
إنا معكم ) : الأصل : إننا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خففت ، كقوله تعالى : (
وإن كل لما جميع ) [ يس : 32 ] ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ; أي كائنون معكم .
قوله تعالى : (
مستهزئون ) : يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل وبقلبها ياء مضمومة ، لانكسار ما قبلها ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الأصلية في مثل قولك : يرمون ويضم الزاي ، وكذلك الخلاف في تليين همزة يستهزئ بهم .
قوله تعالى : (
يعمهون ) : هو حال من الهاء والميم في يمدهم .
[ ص: 33 ] و (
في طغيانهم ) متعلق بـ ( يمدهم ) أيضا ، وإن شئت بـ (
يعمهون ) . ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم ; لأن العامل الواحد لا يعمل في حالين .
قال تعالى : (
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ( 16 ) ) .
قوله تعالى : (
اشتروا الضلالة ) : الأصل اشتريوا ، فقلبت الياء ألفا ، ثم حذفت الألف لئلا يلتقي ساكنان ، الألف والواو . فإن قلت : فالواو هنا متحركة ؟ . قيل : حركتها عارضة ، فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الألف المحذوفة .
وقيل : سكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لئلا يلتقي ساكنان .
وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ; ليفرق بين واو الجمع والواو الأصلية في نحو قوله : لو استطعنا ، وقيل ضمت لأن الضمة هنا أخف من الكسرة ; لأنها من جنس الواو .
وقيل : حركت بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت ; لأنها ضمير فاعل ، فهي مثل التاء في قمت ، وقيل : هي للجمع فهي مثل نحن ، وقد همزها قوم ، شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو : أثؤب .
ومنهم من يفتحها إيثارا للتخفيف ، ومنهم من يكسرها على الأصل في التقاء الساكنين ، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين وهو ضعيف ; لأن قبلها فتحة ، والفتحة لا تدل عليها .
قال تعالى : (
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ( 17 ) ) .
قوله تعالى : (
مثلهم كمثل ) : ابتداء وخبر ، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشيء .
قوله : (
الذي استوقد ) : الذي هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع ، بدليل قوله : ( (
ذهب الله بنورهم ) ) وما بعده . وفي وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان : أحدهما : هو جنس ، مثل : من وما ، فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع . والثاني : أنه أراد الذين فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله : (
والذي جاء بالصدق وصدق به ) ثم قال : (
أولئك هم المتقون ) [ الزمر : 33 ] .
[ ص: 34 ] واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقر بمعنى قر ; وقيل : استوقد استدعى الإيقاد .
قوله تعالى : (
فلما أضاءت ) : لما هاهنا اسم ، وهي ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضي ، وكان لها جواب ، والعامل فيها جوابها ، مثل : إذا .
وأضاءت : متعد ، فيكون ( ( ما ) ) على هذا مفعولا به ; وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاءت النار وأضاءت بمعنى ، فعلى هذا يكون ( ( ما ) ) ظرفا ، وفي ( ( ما ) ) ثلاثة أوجه : أحدها : هي بمعنى الذي .
والثاني : هي نكرة موصوفة ; أي مكانا حوله . والثالث هي زائدة .
قوله : (
ذهب الله بنورهم ) [ البقرة : 17 ] الباء هنا معدية للفعل ، كتعدية الهمزة له ، والتقدير : أذهب الله نورهم . ومثله في القرآن كثير .
وقد تأتي الباء في مثل هذا للحال ; كقولك : ذهبت بزيد ، أي ذهبت ومعي زيد .
قوله تعالى : (
وتركهم في ظلمات ) : تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ; لأن المعنى صيرهم ، وليس المراد به الترك الذي هو الإهمال ، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثاني في ظلمات ، فلا يتعلق الجار بمحذوف ، ويكون ( (
لا يبصرون ) ) حالا .
ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثاني ، وفي ظلمات ظرف يتعلق بتركهم ، أو بـ ( ( يبصرون ) ) ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون ، أو من المفعول الأول .