قال تعالى : (
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) ( 83 ) .
قوله تعالى : (
وإذا سمعوا ) : الواو هاهنا عطفت إذا على خبر أن ، وهو قوله : " لا يستكبرون " فصار الكلام داخلا في صلة أن ، وإذا في موضع نصب بـ " ترى " وإذا وجوابها في موضع رفع عطفا على خبر أن الثانية . ويجوز أن يكون مستأنفا في اللفظ ، وإن كان له تعلق بما قبله في المعنى . و ( تفيض ) : في موضع نصب على الحال ؛ لأن ترى من رؤية العين . و (
من الدمع ) : فيه وجهان : أحدهما : أن من لابتداء الغاية ؛ أي : فيضها من كثرة الدمع . والثاني : أن يكون حالا ؛ والتقدير : تفيض مملوءة من الدمع . وأما (
مما عرفوا ) : فمن لابتداء الغاية ، ومعناها من أجل الذي عرفوه . و (
من الحق ) : حال من العائد المحذوف . (
يقولون ) : حال من ضمير الفاعل في عرفوا .
قال تعالى : (
وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) ( 84 ) .
[ ص: 341 ] قوله تعالى : (
وما لنا ) : " ما " في موضع رفع بالابتداء ، ولنا الخبر . و (
لا نؤمن ) : حال من الضمير في الخبر ، والعامل فيه الجار ؛ أي : ما لنا غير مؤمنين ، كما تقول ما لك قائما . (
وما جاءنا ) : يجوز أن يكون في موضع جر ؛ أي : وبما جاءنا . (
من الحق ) : حال من ضمير الفاعل ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية ؛ أي : ولما جاءنا من عند الله ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، ومن الحق الخبر ، والجملة في موضع الحال . ( ونطمع ) : يجوز أن يكون معطوفا على نؤمن ؛ أي : وما لنا لا نطمع ، ويجوز أن يكون التقدير : ونحن نطمع ، فتكون الجملة حالا من ضمير الفاعل في نؤمن . و (
أن يدخلنا ) : أي : في أن يدخلنا ، فهو في موضع نصب ، أو جر على الخلاف بين
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه .
قال تعالى : (
وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) ( 88 ) .
قوله تعالى : (
حلالا ) : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : هو مفعول كلوا ، فعلى هذا يكون " مما " في موضع الحال ؛ لأنه صفة للنكرة قدمت عليها ، ويجوز أن تكون : " من " لابتداء غاية الأكل ، فتكون متعلقة بكلوا ؛ كقولك أكلت من الخبز رغيفا إذا لم ترد الصفة . والوجه الثاني : أن يكون حالا من " ما " ؛ لأنها بمعنى الذي ، ويجوز أن يكون حالا من العائد المحذوف ، فيكون العامل " رزق " ؛ والثالث : أن يكون صفة لمصدر محذوف ؛ أي : أكلا حلالا ، ولا يجوز أن ينصب حلالا برزق على أنه مفعوله ؛ لأن ذلك يمنع من أن يعود إلى " ما " ضمير .
قال تعالى : (
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ) ( 89 ) .
قوله تعالى : (
باللغو في أيمانكم ) : فيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أن تكون متعلقة بنفس اللغو ؛ لأنك تقول لغا في يمينه ، وهذا مصدر بالألف واللام يعمل ، ولكن معدى بحرف الجر . والثاني : أن تكون حالا من اللغو ؛ أي : باللغو كائنا أو واقعا في أيمانكم . والثالث : أن يتعلق " في " بـ " يؤاخذكم " . (
عقدتم ) : يقرأ بتخفيف القاف ، وهو الأصل ، وعقد اليمين هو قصد الالتزام بها ، ويقرأ بتشديدها ، وذلك لتوكيد اليمين كقوله : " هو الله
[ ص: 342 ] الذي لا إله إلا هو " ونحوه . وقيل : التشديد يدل على تأكيد العزم بالالتزام بها ، وقيل : إنما شدد لكثرة الحالفين وكثرة الأيمان . وقيل : التشديد عوض من الألف في عاقد ، ولا يجوز أن يكون التشديد لتكرير اليمين ؛ لأن الكفارة تجب ، وإن لم تكرر .
ويقرأ " عاقدتم " بالألف ، وهي بمعنى عقدتم ؛ كقولك قاطعته وقطعته من الهجران .
(
فكفارته ) : الهاء ضمير العقد ، وقد تقدم الفعل الدال عليه ، وقيل : تعود على اليمين بالمعنى ؛ لأن الحالف واليمين بمعنى واحد . و (
إطعام ) : مصدر مضاف إلى المفعول به ، والجيد أن يقدر بفعل قد سمي فاعله ؛ لأن ما قبله وما بعده خطاب ؛ فـ " عشرة " على هذا في موضع نصب .
(
من أوسط ) : صفة لمفعول محذوف تقديره : إن تطعموا عشرة مساكين طعاما ، أو قوتا من أوسط ؛ أي : متوسطا . (
ما تطعمون ) : أي الذي تطعمون منه ، أو تطعمونه . (
أو كسوتهم ) : معطوف على " إطعام " ، ويقرأ شاذا : ( أو كإسوتهم ) : فالكاف في موضع رفع ؛ أي : أو مثل إسوة أهليكم في الكسوة . (
أو تحرير ) : معطوف على " إطعام " ، وهو مصدر مضاف إلى المفعول أيضا . (
إذا حلفتم ) : العامل في إذا " كفارة أيمانكم " ؛ لأن المعنى : ذلك يكفر أيمانكم وقت حلفكم ، كذلك الكاف صفة مصدر محذوف ؛ أي : يبين لكم آياته تبيينا مثل ذلك .