سورة الأنعام .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : (
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) ( 1 ) .
قوله تعالى : (
بربهم ) : الباء تتعلق بـ " يعدلون " ؛ أي : الذين كفروا يعدلون بربهم غيره ، والذين كفروا مبتدأ ، ويعدلون الخبر ، والمفعول محذوف .
ويجوز على هذا أن تكون الباء بمعنى عن ، فلا يكون في الكلام مفعول محذوف ، بل يكون يعدلون لازما ؛ أي : يعدلون عنه إلى غيره .
[ ص: 357 ] ويجوز أن تتعلق الباء بكفروا ، فيكون المعنى : الذين جحدوا ربهم مائلون عن الهدى .
قال تعالى : (
هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ) ( 2 ) .
قوله تعالى : (
خلقكم من طين ) : في الكلام حذف مضاف ؛ أي : خلق أصلكم ، ومن طين متعلق بخلق ، ومن هنا لابتداء الغاية .
ويجوز أن تكون حالا ؛ أي : خلق أصلكم كائنا من طين .
(
وأجل مسمى ) : مبتدأ موصوف ، و ( عنده ) : الخبر .
قال تعالى : (
وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) ( 3 ) .
قوله تعالى : (
وهو الله ) : وهو مبتدأ ، والله الخبر . و (
في السماوات ) : فيه وجهان : أحدهما : يتعلق بـ " يعلم " ؛ أي : يعلم سركم وجهركم في السماوات والأرض ، فهما ظرفان للعلم . فيعلم على هذا خبر ثان ، ويجوز أن يكون الله بدلا من هو ، ويعلم الخبر .
والثاني : أن يتعلق " في " باسم الله ؛ لأنه بمعنى المعبود ؛ أي : وهو المعبود في السماوات والأرض ، ويعلم على هذا خبر ثان ، أو حال من الضمير في المعبود ، أو مستأنف ، وقال
أبو علي : لا يجوز أن تتعلق " في " باسم الله ؛ لأنه صار بدخول الألف واللام والتغيير الذي دخله كالعلم ، ولهذا قال تعالى : (
هل تعلم له سميا ) [ مريم : 65 ] وقيل : قد تم الكلام على قوله " في السماوات " . و " في الأرض " يتعلق بـ " يعلم " ؛ وهذا ضعيف ؛ لأنه سبحانه معبود في السماوات وفي الأرض ، ويعلم ما في السماء والأرض ، فلا اختصاص لإحدى الصفتين بأحد الظرفين .
و (
سركم وجهركم ) : مصدران بمعنى المفعولين ؛ أي : مسروركم ومجهوركم ، ودل على ذلك قوله : (
والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ) [ النحل : 19 ] ؛ أي : الذي . . . ويجوز أن يكونا على بابهما .
قال تعالى : (
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) ( 4 ) .
قوله تعالى : ( من آية ) : موضعه رفع بتأتي ، ومن زائدة .
و (
من آيات ) : في موضع جر صفة لآية .
ويجوز أن تكون في موضع رفع على موضع آية .
قال تعالى : (
فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ) ( 5 ) .
قوله تعالى : (
لما جاءهم ) : " لما " ظرف لكذبوا ، وهذا قد عمل فيها ، وهو قبلها ومثله " إذا " و ( به ) : متعلق بـ " يستهزئون " .
[ ص: 358 ] قال تعالى : (
ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ) ( 6 ) .
قوله تعالى : (
كم أهلكنا ) : كم : استفهام بمعنى التعظيم ؛ فلذلك لا يعمل فيها يروا ، وهي في موضع نصب بأهلكنا ، فيجوز أن تكون كم مفعولا به ، ويكون " من قرن " تبيينا لكم .
ويجوز أن يكون ظرفا ، " ومن قرن " مفعول أهلكنا . ومن زائدة ؛ أي : كم أزمنة أهلكنا فيها من قبلهم قرونا .
ويجوز أن يكون كم مصدرا ؛ أي : كم مرة وكم إهلاكا ، وهذا يتكرر في القرآن كثيرا . (
مكناهم ) : في موضع جر صفة القرن ، وجمع على المعنى .
(
ما لم نمكن لكم ) : رجع من الغيبة في قوله : "
ألم يروا " إلى الخطاب في لكم ، ولو قال لهم لكان جائزا .
و ( ما ) : نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ؛ أي : شيئا لم نمكنه لكم .
ويجوز أن تكون " ما " مصدرية ، والزمان محذوف ؛ أي : مدة ما لم نمكن لكم ؛ أي : مدة تمكنهم أطول من مدتكم .
ويجوز أن تكون " ما " مفعول نمكن على المعنى ؛ لأن المعنى أعطيناهم ما لم نعطكم .
و ( مدرارا ) : حال من السماء . و ( تجري ) : المفعول الثاني لجعلنا ، أو حال من الأنهار إذا جعلت " جعل " متعدية إلى واحد . و (
من تحتهم ) : يتعلق بتجري .
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في تجري ؛ أي : وهي من تحتهم .
ويجوز أن يكون من تحتهم مفعولا ثانيا لجعل ، أو حالا من الأنهار ، وتجري في موضع الحال من الضمير في الجار ؛ أي : وجعلنا الأنهار من تحتهم جارية ؛ أي : استقرت جارية و (
من بعدهم ) : يتعلق بأنشأنا ، ولا يجوز أن يكون حالا من قرن لأنه ظرف زمان .